سمرة نابلس.. "بنو إسرائيل" وأصغر طائفة بالعالم
عاطف دغلس-نابلس
وكما هي فلسطين مهبط الأنبياء ومهد الديانات تميزت نابلس عن سائر المدن الفلسطينية باحتضانها الإسلام والمسيحية والسامرية، وغدت بذلك تضم أصغر طائفة بالعالم (السمرة) التي كانت ولا تزال ترى بنفسها السلالة الحقيقية والأصيلة لشعب بني إسرائيل.
وقبل 3654 عاما قدم السامريون من مصر إلى فلسطين "ما يعرف بتيه بني إسرائيل لأربعين عاما في صحراء سيناء" حيث المكان المقدس، وبعد 230 سنة من مجيئهم وقعت خلافات بين كهنتهم عوزي وعيليه فذهب عيليه إلى منطقة شيلو بالقدس، وعوزي إلى جبل جرزيم ونواحيه في مدينة نابلس.
جرزيم وليس القدس
لكن الخلاف الحقيقي -وفق الكاهن السامري حسني واصف- يعود لبناء سليمان عليه السلام هيكله بالقدس مخالفة لتعاليم التوراة فانقسمت الدولة العبرية إلى قسمين في زمن نجليه رحبعام ويربعام، فأضحت مملكة جنوبية وعاصمتها القدس، وشمالية عاصمتها مدينة سبسطية ثم تحولت لنابلس.
وكلمة "السامريين" تعني المحافظين، ويرون أنهم السلالة الحقيقية لبني إسرائيل وليس اليهود، ولديهم ثوابت كثيرة استمدوها من التوراة خاصتهم، وتعود إلى 3640 عاما، وكتبت باللغة العبرية القديمة على جلد الغزال، وتحتوي على أكثر من سبعة آلاف اختلاف بينها وبين التوراة اليهودية "التي بدلت وحرفت"، ولا يزيد عمرها على ألف عام وكتبت باللغة الآشورية.
ويعد جرزيم -وفق الكاهن حسني- المكان المقدس بالنسبة لهم، وأنه لا حق لهم بمدينة القدس، وأن لا مكان مقدسا لهم فيها وفق دينهم.
ويؤمن السامريون بأركان للدين، وهي الإيمان بالله وحده وبموسى عليه السلام نبيا، وبالتوراة "خمسة أسفار" وبجبل جرزيم مكانا مقدسا زاره الأنبياء وقدموا فيه الأضاحي والقرابين كإبراهيم عليه السلام، والإيمان بيوم البعث (يوم الدين) إضافة للوصايا العشر.
ويؤكد الكاهن حسني أن لدى السامريين أكثر من 120 دليلا تثبت قدسية جبل جرزيم، حيث ذكر في التوراة 13 مرة "ولم تذكر القدس مرة واحدة"، ويشتهرون بالحساب الفلكي دون غيرهم، وبذلك لا توافق أعيادهم أعياد اليهود.
افتراءات اليهود
ويدحض الكاهن ادعاءات اليهود بأن السامريين "كوتيّون"، وأن الآشوريين نفوهم إلى منطقة كوتا في العراق "السبي البابلي"، وقال إن من نفوا هم جزء بسيط "27 ألفا" من أصل ثلاثة ملايين سامري آنذاك استطاعوا الحفاظ على التوراة.
وأضاف أن اليهود نسخوا كل شيء عن جبل جرزيم في "الوصايا العشر" الخاصة بالسامريين، أهمها وحدانية الله، وألا تحلف بالله كذبا، وتحريم السرقة والزنى، إلا كلمة "وجعلت البركة على جبل جرزيم" وقالوا بدلا منها "الله إلهك، والله وحده لا شريك له" ليعطوا المعنى ذاته.
ويحافظ السامريون على قدسية يوم السبت بلباس أبيض خاص (القمباز) وعمامة، ويؤدي الرجال دون النساء صلاتهم في الكنيس بوضوء وحركات من ركوع وسجود تشابه صلاة المسلمين، ويأكلون من اللحوم كل ذي ظلف (حافر) ومجتر، وبذلك يكون الحيوان "أليفا" ولا تجتمع روحان في طعامهم، فلا يؤكل الجدي المطبوخ بحليب أمه.
ويؤكد الكاهن أنهم يحافظون على الطهارة، حيث تعزل المرأة أثناء فترة الطمث سبعة أيام ويقام على خدمتها، وتذهب لأي مكان تريد شريطة عدم المساس بأي سامري، وتعزل في حالة النفاس لمدة 41 يوما إذا أنجبت ولدا ذكرا ولثمانين يوما إن كان المولود أنثى.
ولا تتزوج السامرية من أي رجل خارج الطائفة، في حين يجوز للرجل أن يتزوج من غير سامرية شريطة أن تعتنق الدين السامري.
ويحتفل السامريون الذين يتحدثون العربية والعبرية الأصيلة بسبعة أعياد خلال العام، مثل الفسح "بالسين" لأن الله فسح عليهم بعد خروجهم من مصر، وعيد الفطير والحصاد والعرش، ويحجون ثلاث مرات إلى قمة جرزيم، ويذبحون القرابين (الخراف) بالمذابح المخصصة.
ويخصصون يوما في السنة يتزامن ونهاية أكتوبر/تشرين الأول يصومون فيه عن كل شيء من طعام وشراب وحتى الحديث، ويستمر الصوم لمدة 24 ساعة.
الحضن الدافئ
وكلما ذكر السامريون ذكرت نابلس، إذ ارتبط اسمهم بالمدينة مذ سكنوها قبل مئات السنين، حيث قطنوا حي الياسمينة وسط البلدة القديمة فيها ثم انتقلوا لحي آخر عرف باسمهم (حي السمرة) قبل أن يستقر بهم المقام في جبل جرزيم عام 1990، كما يقول سكرتير الطائفة السامرية إسحق الطيف.
ويوضح أنهم يتشابهون في العادات والتقاليد وبكل شيء مع أهالي نابلس ويتحدثون بلهجتهم، ويشاركونهم أفراحهم وأتراحهم، ويدرسون في مدارس المدينة وجامعاتها.
ويقدر عدد السامريين بنحو 772 نسمة في منطقة حولون داخل فلسطين المحتلة عام 1948، حيث لجؤوا عام 1905 للعمل هناك بعض تردي أوضاعهم الاقتصادية بنابلس.
قومية السامريين
ومنح السامريون في نابلس عام 1996 الهوية الإسرائيلية بهدف "تسهيل التواصل" مع طرفهم الآخر في إسرائيل، وحسن ذلك أحوالهم وحصلوا على التأمين الوطني الإسرائيلي والتأمين الصحي وبعض الميزات، كما يقول المواطن السامري يوسف عفيف الذي أكد أنهم ورغم ذلك فلسطينيون، وقوميتهم عربية لا يفرطون بها.
لكنهم لم يسلموا أيضا من مضايقات الاحتلال الإسرائيلي الذي أغلق منذ عام 2000 حتى قبل سنوات قليلة منطقة جبل جرزيم بحاجز دائم، ليحول دون تواصلهم مع أهلهم في نابلس.
كما أغلقت سلطة السياحة الإسرائيلية -وفق مؤسس جمعية الأسطورة السامرية إيهاب السامري- منطقة جبل جرزيم "قلعة العالم" حيث يؤدون شعائرهم الدينية قبل عدة سنوات، وحدت من دخول أي أحد إليه إلا بموافقتها.