لماذا يفكر خُمس طلاب الثانويات المصرية بالانتحار؟

من إحدى وقفات طلبة الثانوية أمام وزارة التربية والتعليم وهي خاصة للجزيرة نت
دراسة وزارة الصحة المصرية: 19.5% من العينة المدروسة من الطلاب بلغوا حد إيذاء النفس (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

"يا شيخ.. أدركني قبل أن أضع نهاية لحياتي"، بتوتر ورجفة صوت همس الشاب أحمد المنياوي بهذه الكلمات لخطيب أحد مساجد محافظة الجيزة بعد أن انتظر قرابة نصف ساعة عقب صلاة الجمعة حتى فرغ المصلون من مصافحة الشيخ واستفتائه في بعض شؤونهم، مفضلا محادثته على انفراد بعد انصراف الجميع.

يتابع أحمد بعد أن ربت خطيب المسجد الشيخ حسن على كتفه مطمئنا ومشجعا له على الحديث "حاولت الانتحار مرتين.. الثانية وأنا في المستشفى أثناء علاجي من المحاولة الأولى، وما زالت نفسي تحدثني بالأمر، فأنا لا أرى معنى للحياة، ولولا ما رأيت من حكمة في خطبك ما تشجعت على البوح لك".

يحكي أحمد للشيخ بعد أن هدّأ الأخير من روعه مبديا تعاطفه وتفهمه كيف أن إصرار عائلته على أن يحوز مجموعا في المرحلة الثانوية يؤهله لإحدى كليات القمة التي لا يحبها رغم تفوقه، وعدم تقبلهم رغبته الالتحاق بكليات أخرى يراها أوفق لمستقبله أفقده معنى الحياة ودفعه إلى محاولات الانتحار.

تتبعثر الكلمات بين شفتي أحمد وهو يستدرك مدافعا أمام الشيخ عن عائلته التي قدمت من إحدى محافظات الصعيد للعيش في العاصمة، ويبرئها من مسؤولية محاولاته الانتحار، كما يجتهد في تأكيد حرصه على الصلاة وخوفه من عقاب الله، مشيرا إلى شعوره بأن "شيطانا" هو من يسوقه إلى تلك المحاولات.

حالة أحمد التي حكاها الشيخ حسن للجزيرة نت أشار إلى أنها ليست الأولى لطلبة بالمرحلة الثانوية حاولوا الانتحار أو فكروا فيه ممن يقصدونه على أمل أن يجدوا لديه ما يخفف عنهم وينتزعهم من براثن تلك الرغبة، لافتا إلى أن تكرر تلك الحالات دفعه لاستشارة اختصاصيين نفسيين للوقوف على التعامل الأمثل معهم.

‪وقفة لطلبة الثانوية أمام وزارة التربية والتعليم المصرية‬ (الجزيرة نت)
‪وقفة لطلبة الثانوية أمام وزارة التربية والتعليم المصرية‬ (الجزيرة نت)

دراسة رسمية
وكشفت دراسة لوزارة الصحة المصرية أعلن عنها منذ أيام أن 21.5% من طلاب المرحلة الثانوية بمصر يفكرون في الانتحار، في حين يعاني 29.3% مشاكل نفسية، بينها القلق والتوتر والاكتئاب، و19.5% بلغوا حد إيذاء النفس، وأن 33.4% من العينة التي قدرت بعشرة آلاف و648 طالبا وطالبة لجؤوا للعلاج لدى طبيب نفسي.

وفي سياق تعليقها على الدراسة، رأت الباحثة الاجتماعية صفاء صلاح الدين أن نظام التعليم المصري -خاصة في المرحلة الثانوية- يحوي العديد من السلبيات التي تشكل أحد أبرز الأسباب المؤثرة على نفسية الطلبة والمكسبة للعديد من الأمراض النفسية التي قد تدفع في النهاية إلى التفكير بالانتحار.

ورأت أن النتائج المعلنة لهذه الدراسة "طبيعية" في ظل انحسار حياة طالب الثانوية العامة في المتابعة بين حضور الدروس الخصوصية وحصر قيمته في مجموع دراسته والكلية التي سيلتحق بها، والتجاهل التام لمهاراته الخاصة ونشاطه البعيد عن الدراسة.

‪عمرو أبو خليل تحفظ على الدراسة وقال إن نتائجها
‪عمرو أبو خليل تحفظ على الدراسة وقال إن نتائجها "خطيرة" تتجاوز النسب العالمية على كل المستويات‬ (الجزيرة)

جسارة مقدرة
من جهته، وصف أستاذ الطب النفسي والخبير الاجتماعي أحمد عبد الله الدراسة الرسمية المذكورة بأنها نوع من أنواع "الجسارة" التي تستحق الإشادة، لما فيها من جرأة على مواجهة الحقائق والاعتراف بواقع طالما كان المعتاد إنكاره والهرب منه.

ورأى في حديثه للجزيرة نت أن ارتفاع هذه النسبة بشكل كبير يرجع إلى العقلية التي تتعامل مع هذه الفئة بمختلف مساراتها بداية من الأسرة ثم المجتمع، إضافة إلى العاملين في قطاعات التعليم والإعلام والتوعية الدينية، مشددا على أن الانسداد السياسي والواقع الاقتصادي المتردي لهما دور كبير في ارتفاع هذه النتائج.

ولفت إلى أن الأزمة برزت بشكل واضح بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث ارتفعت معها طموحات وآمال هذه الشريحة، والتي اصطدمت بواقع لم يقدر تلك الطموحات والآمال، وتعامل أصحابه مع تلك الفئة (الشباب) باعتبارها مصدرا للأزمات والمشاكل، وتحولوا من طاقة يفترض الاستفادة منها إلى مشكلة يجب معالجتها.

‪طلبة انتقدوا في إحدى وقفاتهم النظام التعليمي بمصر‬ (الجزيرة)
‪طلبة انتقدوا في إحدى وقفاتهم النظام التعليمي بمصر‬ (الجزيرة)

الامتحانات والذروة
أما الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي عمرو أبو خليل فيبدي تحفظه على الدراسة ونتائجها، حيث يراها "خطيرة" تتجاوز النسب العالمية على كل المستويات وكذلك نتائج دراسات مصرية سابقة، متخوفا من وجود خلل في الكيفية التي تم إجراء الدراسة بها.

ورغم إقراره -في حديث للجزيرة نت- بتدهور الأوضاع النفسية لهذه الشريحة فإنه يرى نتائج الدراسة التي أجرتها وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء "غير منطقية" وتتعارض مع الواقع الذي يعايشه على الأرض.

ولفت إلى أن هذه النتائج "غير المنطقية" (حسب تقديره) والمتمثلة في أن واحدا من كل خمسة طلاب الثانوية فكر في الانتحار وواحدا من كل ثلاثة طلاب يعاني مشكلات نفسية ربما جاءت نتيجة منهجية غير علمية في وضع أسئلة استبيانات الدراسة.

ومع اقتراب موعد امتحانات الثانوية العامة في مصر تتزايد أخبار محاولات انتحار الطلبة في مختلف المحافظات حتى تصل ذروتها خلال أيام الامتحانات، حيث لا يكاد يمر يوم من أيامها إلا وتتداول صحف ومواقع محلية أخبار ثلاث محاولات انتحار على الأقل بطرق مختلفة.

المصدر : الجزيرة