قمة الظهران.. للقدس أم طهران؟

General view of the 29th Arab Summit in Dhahran, Saudi Arabia April 15, 2018. Bandar Algaloud/Courtesy of Saudi Royal Court/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY.
بالتزامن مع انعقاد "قمة القدس" دعا أحد الكتاب السعوديين إلى التطبيع الكامل مع إسرائيل (رويترز)

أمين محمد حبلا-الجزيرة نت

على إيقاع أزمات عربية غير مسبوقة، انعقدت القمة العربية التاسعة والعشرون في مدينة الظهران شرقي السعودية بدلا من العاصمة الرياض التي أصبحت تستقبل باستمرار وفي مواعيد غير منتظمة دفقات من الصواريخ الحوثية البالستية ذات الأثر النفسي "المدمر"؛ اجتمع القادة وتحدثوا ثم تفرقوا كالعادة دون إجراءات ملموسة بشأن أي من الملفات الملتهبة.

سموها باسم القدس، ولكن غبارها لم ينقشع عن إجراءات حاسمة تفند ما تكشف في الشهور الماضية عن اتجاه "عربي" تقوده السعودية ومصر والإمارات، يدفع نحو إقرار "صفقة القرن" ذات البنود المثيرة فلسطينيا وعربيا وإسلاميا.

ورغم أن ظروف انعقاد القمم العربية لم تكن يوما مثالية ولا وردية، فإن المجمع عليه أن الظرف الحالي يعتبر الأسوأ لاعتبارات كثيرة، أبرزها الانشطارات والخلافات الداخلية وتراجع سقف المرجعيات العربية ووصول مستويات التنازل في الملفات الرئيسية إلى قاع سحيق.

وتمثل القضية الفلسطينية -وفي صدارتها "القدس"- العنوان الأبرز لفشل المشروع العربي وتقهقره، وعربون الصداقة الجديدة بين إسرائيل ودول عربية ذات حضور كبير ومؤثر في المنظومة العربية الرسمية. ورغم أن القمة تسمت باسم "قمة القدس"، فالظاهر -وفق كثير من المحللين والمتابعين- أن القدس وما تعانيه من تهويد وما يقاسيه أهلها وذووها من تضييق وحصار ليست ضمن الأولويات العربية.

وأكثر من ذلك، جاءت القمة رجع صدى لأزمة العلاقات الجديدة مع الكيان الصهيوني وحجم الاندفاع السعودي تجاه تل أبيب، وهو ما يعني أن القدس هي الغائب الأبرز وربما المتضرر الأكبر من القمة السعودية.

في الطريق إلى القمة
قبيل "قمة القدس"، ضجت وسائل الإعلام السعودية (الدولة المستضيفة للقمة والأكثر تأثيرا حاليا في قراراتها وأجنداتها) بالترويج لاعتبار الخطر الإيراني هو الخطر الرئيسي الذي يواجه العرب، وشطبت بعض المقالات المنشورة في هذه الصحف الخطر الإسرائيلي من التحديات التي تواجه الأمة اليوم، واختار كاتب آخر أن يضيف الخطر التركي إلى مهددات وحدة العرب وتطورهم.

ووصل الأمر بأحد كتاب صحيفة الرياض -التي لا تنطق عن هوى خاص في القضايا السياسية- إلى دعوة العرب إلى التطبيع مع إسرائيل وإعلان قرار السلام معها في قمة الظهران، للتفرغ لإيران لأنها أخطر من إسرائيل.

وقال الكاتب أحمد الجميعة في مقاله المعنون بـ"قمة الظهران.. سلام مع إسرائيل ومواجهة إيران"، إن العرب انشغلوا في قممهم منذ 72 عاما بالقضية الفلسطينية، وجعلوا إسرائيل محورا مهما على طاولتهم، وانشغلوا "عن قضايا عربية جوهرية أهمها الخطر الإيراني في المنطقة وتداعياته التي وصلت إلى احتلال أربع عواصم عربية وثلاث جزر إماراتية".

ويرى صاحب المقال أن "إسرائيل تحتل عاصمة عربية واحدة فقط.. ولم تتجاوز حدود دولتها على الأقل في العقد الأخير"، في حين أن إيران "تنشر الطائفية وتصدّر الإرهاب وتدعم جماعاته المتطرفة وتتدخل في شؤون الآخرين".

هجائية الربيع
واستهل القادة العرب المجتمعون في الظهران بيانهم الختامي بهجائية عريضة للربيع العربي، ربيع الشعوب الذي أسقط أنظمة وهز عروشا عديدة، ورأت الفقرة الثانية في البيان الختامي أهمية تعزيز التعاون العربي المشترك "المبني على منهجية واضحة وأسس متينة تحمي أمتنا من الأخطار المحدقة بها"، وتعيد الأمل للشعوب العربية "التي عانت من ويلات الربيع العربي وما تبعه من أحداث وتحولات كان لها الأثر البالغ في إنهاك جسد الأمة الضعيف ونأت بها عن التطلع لمستقبل مشرق".

ويقول مراقبون إنه في الوقت الذي يؤكد فيه العرب في بيانهم الختامي على أهمية التعاون العربي المشترك مستحضرين مفردات كثيرة لاكتها الألسن وامتلأت بها الصفحات ترسم لوحة مشرقة من التعاون والتآزر والمسار الموحد والمصير المشترك، تصل الخلافات العربية البينية مستويات غير مسبوقة.

ومن المفارقات أن الدولة المستضيفة للقمة تقود تحالفا يضم دولا عربية أخرى يشن حربا مدمرة ومنذ سنوات على بلد عربي مجاور (اليمن)، كما تقود الدولة ذاتها محورا عربيا آخر يواصل منذ نحو عام حصار بلد عربي مجاور (قطر) وتحشد خيلها ورجلها لإسقاط نظامه والإضرار بمصالحه وسمعته الخارجية.

هل هي قمة القدس؟
لم يكن مفاجئا إعلان السعودية تسمية قمتها بقمة القدس، كما لم يكن مفاجئا أيضا أن البيان الختامي لها حفل بفقرات عديدة تتعلق بالقدس، فالقضية الفلسطينية -وفي المقدمة منها القدس- تمثل القضية الوحيدة التي ظلت محل وفاق "علني" بين القادة العرب، وبقيت بندا ثابتا تنتقل فيه الفقرات والعبارات ذاتها من بيان إلى بيان ومن قمة إلى أخرى.

ويقول مراقبون إن القمة المنصرمة كانت قمة "طهران" أكثر منها قمة القدس، فقد كان التركيز الإعلامي قبل وأثناء وبعد القمة على إيران وخطرها على الأمن العربي، وضرورة حشد كل الجهود العربية لمواجهتها.

كما جاءت أغلب الخطابات "الأكثر أهمية" منساقة في هذا الاتجاه، محذرة من التمدد الإيراني وداعية على مواجهته والوقوف في وجهه.

ويعني ذلك -وفق العديد من المراقبين- أن تسمية القمة بالقدس لم تكن أكثر من ذر للرماد في العيون ومحاولة تلميع للموقف العرب الرسمي عموما، والسعودي خصوصا، بعد ما تكشف في الشهور الماضية من أدوار لدول عربية وازنة -وفي مقدمتها السعودية ومصر- في ترويج لما يعرف بصفقة القرن التي تمنح القدس بالمجان لإسرائيل.

وهي الصفقة التي ووجهت بردود فعل شعبية رافضة ومستنكرة على مستوى العالم العربي وبرفض فلسطيني وأردني رسمي وشعبي، وتسربت معلومات تؤكد قيام السعودية بالضغط على أطراف معنية -من بينها قيادة السلطة الفلسطينية– للقبول بهذه الصفقة التي تعني التخلي عن القدس وطي ملفها بشكل نهائي ونقل عاصمة الدولة الفلسطينية إلى بلدة أبو ديس.

وفيما تصل القمة العربية إلى أبعد دركات الفشل، تبقى كل قراراتها ومواقفها في نظر الكثيرين "أسلحة بلاستيكية" لا تنفع صديقا ولا تؤذي عدوا.

المصدر : الجزيرة + وكالات