حصار العمل الخيري بغزة.. صناعة الفقر

غزة، فبراير 2018، من فعاليات الجمعيات الخيرية ضمن حملة أنقذوا غزة.
من فعاليات الجمعيات الخيرية ضمن حملة "أنقذوا غزة" (الجزيرة نت)

محمد عمران-غزة

بكلمات قليلة، وصوت منخفض، يخبر المدير التنفيذي بإحدى الجمعيات الخيرية باسم الهباش الأرامل اللائي تجمهرن حول مكتبه ليسألن عن تأخر كفالات أيتامهن، بأنها توقفت منذ أشهر ومن دون بديل آخر لهم.

يواري المدير التنفيذي وجهه جانبا تارة ويضع يده على رأسه تارة أخرى، بعدما وجد نفسه بموقف لا يحسد عليه، في مواجهة سيل من تساؤلات الأرامل الممزوجة بالغضب والحزن حول مصير فلذات أكبادهن، ليؤكد لهن أن الواقع الجديد ناتج عن حصار متعدد الأوجه تتعرض له الجمعيات الخيرية بغزة.

تغادر الأرامل وكأنهن يحملن هموم الدنيا على رؤوسهن، بينما يبدو المسؤول الخيري أكثر ألما وشعوراً بمعاناتهن، خاصة أنه ظل لسنوات طويلة وسيلة لمساعدة المعوزين ورسم البسمة على شفاه المحرومين، لكنه يضطر اليوم لإبلاغ جزء أساسي من الفئات الفقيرة بعدم قدرة جمعيته على توفير احتياجاتهم.

يتكرر هذا المشهد في عشرات المؤسسات الخيرية بغزة، جراء ما تصفه بحصار تمويلي مشدد اضطرها لوقف أو تقليص مساعداتها الإنسانية بحدودها الدنيا، مما حرم فئات مهمشة من مساعدات عينية ونقدية كانت تتلقاها من جهات خيرية عديدة تعتمد على تمويل من خارج فلسطين.

حازم وادي فلسطيني من الفئات الأكثر فقرا (الجزيرة نت)
حازم وادي فلسطيني من الفئات الأكثر فقرا (الجزيرة نت)

تمويل خارجي
وبينما يؤكد المسؤول الخيري تراجع التمويل الخارجي الموجه للجمعيات الخيرية بغزة بنسبة 70% وتأثر عشرات آلاف العائلات المعتمدة على المساعدات الإغاثية، فإنه يحذر من توقف القطاع الخيري عن العمل، ودخول العائلات الضعيفة -كالفقراء والأرامل والأيتام والمتعطلين والمعاقين وغيرهم- مرحلة التجويع لغياب أي حلول تلوح بالأفق.

وإذا كانت الأرامل والأيتام يعيشون ظروفا بائسة، فإن العائلات الموصوفة بأفقر الفقراء أصبحت على أبواب الجوع بصورة واقعية بعدما ذاقت الأمرين من العوز الشديد، بحسب وصف الفلسطيني حازم وادي.

يتساءل حازم، وهو يفتش عن بقايا طعام بين أطباق متناثرة بمطبخه المتهالك لطفليه المتأوهين جوعا، "أيعقل محاصرة الفقراء؟ وهل وصلت الحال لحد تجويع أطفالنا"؟ ليختصر الإجابة بكلمات قليلة تطفح بين ثناياها أوجاع العوز وتلمع في عينيه حكايات البؤس.

ولأن الجمعيات الخيرية المحاصرة العاجزة عن تقديم المساعدات الإنسانية كانت الملاذ الوحيد للشاب مبتور القدم إثر إصابته بقصف إسرائيلي على غزة، فإنه مع زوجته وطفليه محمد (أربعة أعوام) ورهف (عامان) أصبحوا يفتقدون لأدنى الاحتياجات الإنسانية مع عدم تلقيه أي إعانة حكومية، مما جعل حياته عبارة عن قطع من فقر مدقع وبؤس مزمن، وفق وصفه.

رئيس تجمع الجمعيات الخيرية أحمد الكرد (الجزيرة نت)
رئيس تجمع الجمعيات الخيرية أحمد الكرد (الجزيرة نت)

تكافل اجتماعي
وترافق التراجع الحاد في المشاريع الخيرية والإنسانية، مع خصومات فرضتها السلطة الفلسطينية على موظفيها بالقطاع منذ عام، مما زاد من صعوبات الحياة على العائلات الأكثر عوزا، خاصة أن بعضها كانت تتلقى مساعدات من هؤلاء الموظفين في ظل حالة التكافل المعروفة داخل المجتمع الفلسطيني.

ويكشف رئيس تجمع الجمعيات الخيرية أحمد الكرد عن أزمة مركبة يواجهها العمل الإنساني، تشمل منع تحويل الأموال لغزة من معظم الدول العربية والإسلامية، سبقه تجميد البنوك حسابات عشرات الجمعيات ورفض فتح حسابات جديدة بناء على تعليمات سلطة النقد الفلسطينية.

وقال الكرد إن تشديد الإجراءات والتضييق على المؤسسات الإنسانية تشمل إغلاق جمعيات عربية بالخارج مؤخرا كانت ضمن المصادر الأساسية لمساعدة فقراء غزة خضوعا للإجراءات الأميركية، إضافة إلى توجيه التمويل لمناطق الأزمات بسوريا والأردن وتركيا والعراق واليمن.

وفي مقابل تأكيد الكرد أن واقع غزة المأساوي يفوق قدرات القطاع الخيري في ظل نسبة فقر بلغت 80 % وفقر مدقع 65%، ووجود 250 ألف عاطل عن العمل، فإنه يدعو إلى تدخل دول أو مؤسسات دولية لانتشال القطاع من كارثة تتصاعد بصورة غير مسبوقة.

المصدر : الجزيرة