بعد التنابز بالألقاب والأزرار.. "العجوز والسمين" يلتقيان

كومبو Trumpو North Korea's leader Kim Jong Un

أنس زكي

جاء دونالد ترمب إلى السلطة في أميركا فتصاعدت حدة التوتر مع كوريا الشمالية وزعيمها كيم جونغ أونحتى بدا أن الأزمة على حافة الهاوية، فبعد تجارب صاروخية ونووية من بيونغ يانغ، طغت لغة التهديد بل وتبادل الإهانات على مستوى القمة، قبل أن تأتي مفاجأة الإعلان عن لقاء بين الرجلين.

فقد أعلن تشونغ أوي-يونغ مستشار الأمن القومي للرئيس الكوري الجنوبي، بعد زيارتين لكل من بيونغ يانغ وواشنطن، أن زعيمي كوريا الشمالية والولايات المتحدة سيلتقيان في مايو/أيار المقبل، وهو ما سيكون -حال إتمامه- اللقاء الأول من نوعه.

وتأكد الأمر سريعا بإعلان البيت الأبيض الأميركي أن ترمب قبل دعوة للقاء كيم "في مكان وزمان سيجري تحديدهما" لكن متحدثة أميركية قالت إن ذلك لا يمنع أن جميع العقوبات والحد الأقصى من الضغوط على بيونغ يانغ ستظل سارية.

وشهدت الأسابيع القليلة الماضية حالة من التهدئة الواضحة بين الجانبين أعقبت شهورا من التوتر، جعلت 2017 يبدو وكأنه عام التجارب الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية فضلا عن الملاسنات بين زعيمها والرئيس الأميركي الجديد.

تجارب
ففي سبتمبر/أيلول 2017 أعلنت بيونغ يانغ أنها اختبرت بنجاح تام قنبلة هيدروجينية يمكن وضعها على صواريخ بعيدة المدى، ووصفت مذيعة التلفزيون الرسمي قوة القنبلة بأنها غير مسبوقة وقالت إنها تمثل فرصة مهمة على طريق استكمال القوة النووية لكوريا الشمالية.

وكانت تلك التجربة هي السادسة بعد خمس تجارب سابقة بدأت عام 2006 وتواصلت عامي 2009 و2013، قبل أن تتسارع وتيرتها بتجربتين متتاليتين عامي 2015 و2016.

في الأثناء، أجرت كوريا الشمالية خلال العام سلسلة من التجارب الصاروخية أكدت قدرتها على الإضرار بحلفاء عدوها الأميركي مثل اليابان ناهيك عن الشقيقة كوريا الجنوبية، ثم توجتها بإطلاق صاروخ عابر للقارات في نوفمبر/تشرين الثاني وصف بأنه الأكثر تطورا على الإطلاق، وقالت بيونغ يانغ إن بإمكانه ضرب الأراضي الأميركية.

وفي المقابل، ردت الولايات المتحدة بالدفع في مجلس الأمن نحو تشديد العقوبات على كوريا الشمالية، كما فرضت بنفسها سلسلة عقوبات وصفها ترمب بأنها أشد عقوبات تم إقرارها في التاريخ الأميركي.

 

شتائم
وفي خضم هذه التجارب تصاعدت حدة التراشق بشكل غير مسبوق بين الرئيسين ليصل الأمر إلى تبادل الشتائم، فاستغل ترمب ظهوره الأول بالأمم المتحدة ليكشر عن أنيابه تجاه كيم حيث وصف نظامه بالفاسد والشرير، وسخر منه واصفا إياه بـ "رجل الصواريخ الصغير" قبل أن يهرع إلى منصته المحببة تويتر ويصف غريمه بأنه "مجنون لا يخشى تجويع شعبه وقتله".

في المقابل، جاء القصف الكوري أولا من وزير الخارجية ري يونغ الذي وصف كلام ترمب بأنه "نباح كلب" كما وصف ترمب بأنه ملك الكذب، وأنه رجل عصابات مصاب بجنون العظمة، ثم دخل كيم ساحة النزال ليصف غريمه بأنه "أميركي عجوز مجنون" ويهدد بأنه سيلقن "هذا المختل عقليا درسا بالنار".

وعاد ترمب مجددا إلى تويتر ليغرد بالرد "لماذا يوجه كيم إهانة لي بوصفي عجوزا رغم أني لم أصفه مطلقا بأنه قصير وسمين؟".

ثم بلغ الرجلان مستوى جديدا ومثيرا للقلق والاشمئزاز مع بداية العام الجاري، حيث وجه زعيم كوريا الشمالية خلال رسالته بمناسبة العام الجديد تحذيرا إلى واشنطن بتأكيده أن الزر النووي موجود دائما على مكتبه وأن على الولايات المتحدة أن تدرك أن هذا ليس ابتزازا وإنما هو أمر واقع.

وجاء الرد سريعا من ترمب الذي غرد على تويتر قائلا "هلا يبلغه أحد في نظامه المتهالك والجائع بأنني أيضا لدي زر نووي لكنه أكبر وأقوى من زره، وأن زري يعمل".

‪الزعيم الكوري الشمالي وعن يمينه شقيقته كيم يو جونغ التي أوفدها مؤخرا إلى كوريا الجنوبية‬ الزعيم الكوري الشمالي وعن يمينه شقيقته كيم يو جونغ التي أوفدها مؤخرا إلى كوريا الجنوبية (الأوروبية)
‪الزعيم الكوري الشمالي وعن يمينه شقيقته كيم يو جونغ التي أوفدها مؤخرا إلى كوريا الجنوبية‬ الزعيم الكوري الشمالي وعن يمينه شقيقته كيم يو جونغ التي أوفدها مؤخرا إلى كوريا الجنوبية (الأوروبية)

تهدئة
واحتار العالم بين السخرية من صراع الأزرار وأحجامها وفعاليتها، وبين القلق من مواجهة لا يمكن توقع نتائجها خصوصا مع ما أظهره الرئيسان من تهور، لكن الأقدار كانت أكثر لطفا حيث تمخضت شتائم الرجلين لتلد فأرا، وتعكس العلاقات وجهتها لتسير نحو التهدئة فجرت أولا اتصالات بين الكوريتين استغلتا دورة الألعاب الشتوية التي استضافتها سول في فبراير/شباط لمزيد من التقارب.

وبعد تمهيد إقليمي على ما يبدو، ألقى المسؤول الكوري الجنوبي بقنبلة الإعلان عن لقاء مرتقب بين الزعيمين، رغم أن ترمب أكد مرارا أنه لا جدوى من الحديث مع زعيم كوريا الشمالية، فما الذي دفعهما يا ترى للتحول من التنابز والتشاتم إلى الاتفاق على لقاء غير مسبوق؟

في الحقيقة، لا تبدو الأسباب اليقينية واضحة على الفور، لكن باستقراء مواقف أميركية أخرى في عهد ترمب يبدو أن أجهزة أخرى بالولايات المتحدة لم يرق لها هذا التصعيد في خضم أزمات عديدة يموج بها العالم، كما يبدو أن دولا أخرى حليفة لواشنطن خصوصا في المنطقة، وبالتحديد كوريا الجنوبية واليابان اللتان سعتا بقوة إلى تهدئة الأزمة التي تمثل صداعا في المنطقة منذ عقود.

في الوقت نفسه، يبدو أن كوريا الشمالية باتت مستعدة للتراجع خطوة أو خطوات خصوصا وقد شهدت الأشهر الأخيرة تعرضها لعقوبات دولية قاسية أقرها مجلس الأمن بالإجماع دون أن تستخدم الصين الداعم الرئيسي لبيونغ يانغ أو روسيا حق الفيتو، وهو ما مثل رسالة واضحة لكوريا الشمالية، بأن لا بأس من بعض التهدئة ولو حتى من أجل التقاط الأنفاس.

المصدر : الجزيرة + وكالات