نساء الغوطة يحولن الأقبية إلى ما يشبه الحياة

أقبية الغوطة الشرقية التي تقيم فيها العائلات هرباً من القصف
نساء الغوطة يستخدمن التواصل الاجتماعي لإيصال معانتهن (وسائل التواصل)

سلافة جبور-دمشق

مع غياب معظم الرجال عن المشهد في الغوطة بين شهيد ومعتقل ومغيب قسريا ومقاتل على الجبهات المشتعلة، لم يعد أمام المرأة خيار آخر؛ فهي الأم والأب والأخ والأخت، وفي الوقت نفسه هي صوت الغوطة الذي يجب أن يسمع صداه في أرجاء العالم.

"لا يمكن النظر إلى هذا الدور على أنه جديد، فمنذ فرض الحصار على الغوطة عام 2012 وجدت المرأة نفسها أمام أعباء مضاعفة، سواء في طبيعة الحياة وظروفها المتغيرة، أو طبيعة الأعمال الملقاة على عاتقها داخل وخارج المنزل". هكذا تقول نيفين الحوتري (38 عاما) في حديث للجزيرة نت.

وتضيف السيدة -التي تعمل منسقة لشبكة عدالة للنساء السوريات- أن نساء الغوطة اضطررن لسد ثغرات في وظائف مهمة على رأسها التعليم، كما عانين في تربية أطفالهن مع غياب أبسط ميزات الحياة خارج الحصار كالأندية ومساحات اللعب، وفي كل ذلك لاقت المرأة دعما كبيرا من عائلتها ومجتمعها.

حياة الأقبية في الأسبوعين الفائتين مأساة مضاعفة (وسائل التواصل)
حياة الأقبية في الأسبوعين الفائتين مأساة مضاعفة (وسائل التواصل)

حياة الأقبية
أما حياة الأقبية (أقبية الغوطة الشرقية التي تقيم فيها العائلات هربا من القصف) خلال الأسبوعين الفائتين فهي مأساة مضاعفة وفق تعبير الحوتري، وتحولت مسؤولية المرأة للحفاظ على حياة طبيعية قدر الإمكان في ظل القصف الهمجي.

ليلى بكري، التي تعمل مديرة مركز تابع لمنظمة "النساء الآن لأجل التنمية" في الغوطة، تتحدث للجزيرة نت عن تلك المأساة؛ "خلال هذه المعركة وجدنا أنفسنا وحيدات دون رجالنا الذين اتجه معظمهم للقتال، فكانت أصعب المهام أن نحوّل الأقبية إلى ما يشبه الحياة الطبيعية".

تفننت الأمهات في ترتيب مساحات عائلاتهن الخاصة وتنظيفها، وإضفاء الإحساس بالاستقرار والانتماء على تلك الملاجئ غير المجهزة، لعلّها توفر لأطفالها بيئة آمنة قدر الإمكان، كما تقول ليلى التي تبلغ من العمر 26 عاماً.

أما ساعات القصف فهي الأصعب، فمعظم الأطفال باتوا مصابين بهلع وخوف شديدين من أصوات الطيران والصواريخ؛ ونتجت عن ذلك حالات تبول لا إرادي وصرع، وتنوّه ليلى بكري إلى عدم قدرة بعض الأمهات على التعامل مع حالات أطفالهن الصعبة رغم بذل جهود مضاعفة لذلك.

الأطفال في أقبية الغوطة الشرقية مصابون بالهلع والخوف الشديدين (وسائل التواصل)
الأطفال في أقبية الغوطة الشرقية مصابون بالهلع والخوف الشديدين (وسائل التواصل)
صمود الغوطة
بدورها، تتحدث بيان ريحان (ثلاثون عاما)، وهي ناشطة في المجلس المحلي لمدينة دوما وفي منظمتي "اليوم التالي" و"النساء الآن"، عن دور المرأة في دعم صمود الغوطة؛ فهي اليوم تعمل في مجال التعليم والطبابة ودعم الأطفال نفسياً، إضافة إلى تأمين احتياجات العائلة.

ورغم إعلان هدنة إنسانية في الغوطة لمدة ثلاثين يوماً في 24 فبراير/شباط الفائت، وإعلان روسيا هدنة لمدة خمس ساعات صباح كل يوم بهدف السماح للمدنيين بالمغادرة من خلال معبر مخيم الوافدين، فإن عداد الموت لم يتوقف، بل ترافق مع محاولات قوات النظام والقوات الرديفة اقتحام الغوطة من عدة محاور.

في مرحلة حرجة اختارت ليلى بكري خلالها العمل على نقل معاناة الغوطة، لعلّ الصور الخارجة منها تشكل ضغطاً إنسانياً على المجتمع الدولي.

توضح ليلى "لم يكن لي نشاط يذكر من قبل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكني شعرت بالحاجة لصوت أنثوي يتحدث عن معاناة الناس خاصة النساء اللواتي باتت مهامهن اليوم جسيمة للغاية؛ فربما يسهم تركيزنا على القصص الإنسانية بدل صور الموت والأشلاء والدمار في الضغط لوقف هذه الإبادة الجماعية بحقنا".

بشكل مشابه، ترى الحوتري أن من واجبها الحديث عما يعيشه أهالي الغوطة، وتبدي بعض الاستغراب ممن لا زالوا غير عارفين بما يحدث هناك، "علينا أن نوصل صوتنا للخارج، فإن خُذلنا من جديد نضمن على الأقل أن تعرف أجيال المستقبل ما حدث حقيقة هنا، في غوطة دمشق الشرقية".

المصدر : الجزيرة