ذراع السيسي الإعلامية.. التلاعب بالعقول

محمد عبد الله لحبيب-الجزيرة نت

بدأ اهتمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ببناء "ذراع إعلامية للدولة" حين كان وزيرا للدفاع، حيث أطلقت حينها حملة إعلامية مركزة ضد الرئيس محمد مرسي مهدت الطريق أمام الانقلاب عليه بعد سنة من استلام مهامه رئيسا لمصر، وبعد أشهر من اختياره السيسي وزيرا للدفاع.

وساير الإعلام حركة الانقلاب بالترويج وحشد الدعم للمظاهرات التي أطلق عليها "ثورة 30 يونيو".

ولم يكتف الإعلام بمواكبة خطوات السيسي بالدعم، وإنما عمل على التحريض على قتل المعتصمين في ميدان رابعة العدوية المطالبين بعودة الرئيس مرسي، وساند قوات الأمن وهي تقتحم الميدان بالدبابات وتطلق الرصاص على المتظاهرين.

تكشُّف السيطرة
لم تتكشف بسرعة مراحل التخطيط الأولى التي اعتمدها نظام السيسي وأجهزة الدولة العميقة لإعادة السيطرة على المشهد الإعلامي في مصر بعد ثورة 25 يناير، إلا أنه مع مرور الزمن وبداية تسريب مكالمات الضباط وفيديوهات اللقاءات، بدأت تتكشف خيوط المؤامرة التي صاغت المشهد الإعلامي تمهيدا للانقلاب.

قبيل نهاية العام الماضي أعلن عن استحواذ شركة جديدة هي شركة "إيغل كابيتال" للاستثمارات المالية على حصة كبرى من سوق الإعلام المصري؛ بشرائها أغلب أسهم "مجموعة إعلام المصريين" التي كانت غالبية أسهمها مملوكة لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.

ولا توجد عن الشركة الجديدة أي معلومات مرجعية في البورصة المصرية لأنها تأسست فقط قبل عام، وترأس مجلس إدارتها وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، وهي أيضا زوجة محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر.

ولم تكن الطريقة التي ظهرت بها مجموعة "إيغل كابيتال" فريدة في سوق الإعلام المصري في عهد السيسي، فقد بدأ استحواذ رجال مقربين منه على وسائل الإعلام التي كانت مملوكة لرجال نظام الرئيس حسني مبارك.

فدخلت شركة "دي ميديا" -التي يملكها طارق إسماعيل ذو الصلة بالمخابرات الحربية- الساحة الإعلامية، واستولت بسرعة على قنوات تلفزيونية من بينها مجموعة قنوات "الناس". كما أطلقت "راديو 9090 الإذاعي" وموقع "مبتدأ" الإلكتروني، إضافة إلى شبكة قنوات "دي.أم.سي".

كما عرف سوق الإعلام فاعلا جديدا هو رئيس مجلس إدارة شركة فالكون الأمنية وكيل المخابرات الحربية السابق شريف خالد الذي انضم إلى المستثمرين في وسائل الإعلام باستحواذ شركته على مؤسسات إعلامية من بينها مجموعة قنوات "الحياة"، وقنوات "العاصمة، وإذاعة "دي.أن.آر".

ومع هؤلاء يأتي ضابط المخابرات السابق ياسر سليم الذي يساهم في المشهد من خلال شركتيه "بلاك آند وايت" و"سينرجي وايت"، وتتركز أنشطته على الإنتاج التلفزيوني والغنائي والسينمائي.

وإلى جانب أصحاب الشركات المحسوبين على الأجهزة السيادية للدولة، ظهر في الساحة رجال آخرون مثل محمد الأمين ومحمد أبو العينين اللذين أسسا شبكات تلفزيونية جديدة مثل "سي.بي.سي" و"النهار" و"صدى البلد"، وبعضها بدأ العمل عام 2011.

الخريطة الإعلامية
وإضافة إلى الشركات ورجال الأعمال المرتبطين بالمخابرات، جاءت عدة تسريبات لاتصالات بين ضباط كاشفة عن تدخل الأجهزة الأمنية في محتوى ما تبثه وسائل الإعلام، وتسييرها.

فقد كشفت التسريبات التي بثتها قناة "مكملين" المعارضة تدخل ضباط الأمن فيما يقدمه بعض نجوم برامج "التوك شو" المصرية.

ويظهر في أحد التسجيلات صوت النقيب في المخابرات الحربية "أشرف" وهو يوجه مقدم البرامج في قناة "العاصمة" سعيد حساسين إلى الطريقة التي يجب أن يتحدث بها عن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، ويشرح له ضرورة التعبير عن "قبول القرار".

كما أظهرت تسجيلات أخرى اتصالا بين ضابطين في المخابرات الحربية هما النقيب "أشرف" والمقدم "إمام"، دافع فيه النقيب أشرف عن المذيع بقناة "العاصمة" عزمي مجاهد في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها من إدارة القناة.

وفي نفس التسجيل يتحدث الضابطان بشكل صريح عن وضع خريطة دقيقة لما يقدم في الشاشات، وعدم القبول بأي نوع من الأخطاء.

دعاية للرئيس
يتعرض المشاهد المصري يوميا لأكثر من 16 ساعة من برامج "التوك شو"، وهو ما يعادل 480 ساعة بث شهريا، تغطي وقت الذروة من الساعة السادسة مساء إلى الواحدة ليلا.

ويخصص مقدمو هذه البرامج أغلب ساعات ظهورهم للحديث الإيجابي عن النظام، وتفسير كل الأحداث لصالح الرئيس السيسي، كما يتبارون في تكرار الجمل التي ترد على لسانه في أي خطاب.

ورغم عدم وجود تقديرات دقيقة بشأن أجور مقدمي هذه البرامج، فإن تقارير صحفية مصرية أشارت إلى أن بعضهم يتقاضى رواتب تتجاوز عشرات آلاف الدولارات، مع نسبة من الإعلانات التي يجلبها برنامجه للمحطة.

لقد نجح نظام السيسي حتى الآن في بسط سيطرته على الرسائل الموجهة إلى المواطن المصري عبر الإعلام، ومن خلال هذه السيطرة استطاع أن يفرض على الشارع المصري الاستماع إلى صوت واحد، دون أن يضمن بالضرورة رسوخ قناعة الجمهور بتلك الرسائل.

المصدر : الجزيرة