موانئ الشرق.. معاقل النفوذ وخزائن المال

Workers walk in a shipping container area at the Port of Aqaba, 350 km (217 miles) south of Amman, September 18, 2011. It has not been as busy for a long while for vessel supervisor Mohammad Qassem, who is overseeing the loading of a commercial cargo ship that has just anchored in the sparkling blue waters of Jordan's Aqaba port. Picture taken September 18, 2011. To match feature JORDAN-PORT/ REUTERS/Abraham Farajian (JORDAN - Tags: TRANSPORT BUSINESS)
ميناء العقبة الأردني يقع على الطريق بين أوروبا وآسيا وأفريقيا (رويترز)

الجزيرة نت-مقديشو

للتفاعل مع متطلبات الأسواق، تزدحم موانئ الشرق بأنشطة التحميل والتفريغ، مما يكسبها أهمية تجارية كبيرة لأن النقل البحري ما يزال يستحوذ على 80% من نقل البضائع حول العالم.

لكن الحركة الدؤوبة بالموانئ لا تترجم حجم أهميتها التجارية فقط وإنما تعكس أيضا التنافس المحموم على خزائن المال ومعاقل النفوذ، إذ تصر القوى العالمية والإقليمية على تصدير أجنداتها وأسلحتها إلى مناطق الصراع.

وإلى جانب البضائع والنفط، تمخر السفن عباب البحار محمّلة بمطامع أميركا وروسيا والصين، وتزدحم في المضائق والمعابر ضغائن الخليج وأجندات تركيا وإيران وحساسيات الهنود والباكستانيين.

هذه الأجواء التنافسية تمنح موانئ الشرق حيوية تجارية كبيرة، وفي نفس الوقت تجعلها في حالة قلق أشبه بالحرب الباردة، حيث تستضيف القواعد العسكرية الأجنبية، مما يؤكد أن العالم دخل في حقبة سباق التسلح من جديد.

ومن آسيا إلى أفريقيا، تعكس خارطة توزيع الموانئ أن العالم بصدد الاقتتال في عرض مياه الشرق، إذا لم يتم التحكم في جشع النفوذ والاستحواذ.

وأمام هذا الواقع، من المهم إلقاء الضوء على الموانئ الأكثر أهمية في الشرق وعلى محوريتها في الجوانب السياسية والعسكرية.

مؤخرا، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة "حزام واحد-طريق واحد"، ويعني الأول طريق الحرير البري، أما الثاني فيشير إلى خط بحري لنقل بضائع بلاده إلى أوروبا وأفريقيا.

وتضم الصين وحدها سبعة من الموانئ تعد ضمن العشرة الأكثر ازدحاما في العالم، وبينها ميناء شنغهاي الذي يربط بين 26 ميناء محليا ويقع في محيط يانغتر حيث تستلقي 16 مدينة صناعية.

وميناء شنغهاي ليس مجرد محطة لتحميل وتفريغ البضائع، فإدارته تضم مراكز بحثية ومعاهد تدريبية من أجل تحقيق نمو مطَّرد.

‪إدارة الصين لميناء تشوادر الباكستاني أثارت مخاوف الهند المجاورة‬ (رويترز)
‪إدارة الصين لميناء تشوادر الباكستاني أثارت مخاوف الهند المجاورة‬ (رويترز)

القوى النووية
ومن نافذة الموانئ، أذكت الصين الصراع القائم أصلا بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان، فقد أوكلت إسلام آباد إلى بكين إدارة ميناء "تشوادر" الإستراتيجي لمدة 40 عامًا.

وينظر إلى هذا الميناء الباكستاني على أنه منافس خطير لميناء جبل علي في دبي، ويعكس إصرار الصين على منافسة الوجود الأميركي في آسيا والشرق الأوسط والمحيط الهندي.

ولتلك الاعتبارات تحاول قطر وروسيا ودول أخرى إيجاد موطئ قدم لها في هذا المشروع الذي بدأ قبل عشر سنوات.

لكن المشروع أثار قلق الهند قبل أن ترسو هواجسها بميناء تشابهار الإيراني، حيث تسعى للاستحواذ عليه لضمان موقع متميز على بحر العرب.

وفي منطقة الشرق الأوسط تعتبر قناة السويس -التي حفرت في أواخر القرن التاسع عشر- المعبر المائي الأكثر شهرة وأهمية، حيث تربط البحر الأحمر بالأبيض المتوسط.

وتمثل هذه القناة المصدر الأول للحصول على العملة الأجنبية في مصر، وبلغت عائداتها في يوليو/تموز 2017 قرابة 446.3 مليون دولار.

وما تزال قناة السويس أكثر الممرات المائية ازدحامًا على مستوى العالم، لأنها أقصر الطرق الملاحية بين أوروبا وآسيا، كما تربط أفريقيا بآسيا.

هذه الخصوصية جعلت السويس محط أطماع الإماراتيين حيث حصلت شركة موانئ دبي على عقود شراكة في القناة، مما أثار سخط بعض الخبراء المصريين.

وفي الأردن يحظى ميناء العقبة بمكانة إستراتيجية إذ يقع على الطريق بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، كما أنه بوابة التجارة بين العراق والعالم.

وبعد اندلاع الصراع السوري عام 2011 تضاعفت الحركة الملاحية في الميناء، لأن الأردن كان يعتمد في السابق على نقل البضائع برًّا عبر الأراضي السورية.

وكانت شركة "أي.بي.أم" (APM) -ومقرها في لاهاي بهولندا– قد فازت عام 2006 بإدارة ميناء العقبة لمدة 26 عاما.

‪المقاتلات الأميركية ترابط في مضيق هرمز قرب منابع النفط والغاز‬ (رويترز)
‪المقاتلات الأميركية ترابط في مضيق هرمز قرب منابع النفط والغاز‬ (رويترز)

النفط والغار
أما موانئ منطقة الخليج فتكتسي أهمية خاصة لأنها تمد أسواق العالم بالنفط والغاز، مما يجعلها محورا للاستقطاب السياسي والاقتصادي.

وفي مياه الخليج العربي ومضيق هرمز تتواجد قوات من أميركا وحلف الناتو وإيران والصين، ومن ماليزيا وغيرها من الدول.

ويحتل ميناء جبل علي في الإمارات مرتبة متقدمة في قائمة الموانئ الأكثر ازدحامًا وقدرة استيعابية في الشرق الأوسط وحتى على مستوى العالم.

ورغم أنها ليست ضمن القوى المؤثرة ذات الأهداف الإستراتيجية البعيدة، فإن الإمارات تسعى للاستحواذ على موانئ دول عربية عديدة لضمان عدم منافستها لجبل علي، ولاستعدادها لمرحلة ما بعد النفط.

ولكن مكانة دبي التجارية تأثرت سلبا بعد الحصار الذي فرض على قطر منتصف 2017، حيث فرضت الإمارات قيودا على تنقل البضائع والأفراد.

كما يحظى ميناء عدن اليمني بأهمية كبير لكونه من أكبر الموانئ المطلة على خليج عدن، ولكن من الطبيعي أن يتأثر سلبا بأزمة الخليج.

ويبدو أن الأزمة الخليجية جاءت بمثابة فرصة لبعض موانئ المنطقة، مثل ميناء صحار العماني الذي شهد ارتفاعًا في الحركة بنسبة 30% بفضل فتح خط مع قطر.

وقبل الموعد المحدد لافتتاحه، دخل ميناء حمد في قطر على خط المنافسة البحرية، وينصبّ اهتمام القائمين عليه حاليا على سد حاجات الدولة وضمان استمرار مشاريع كأس العام 2022، ومن المتوقع أن يستقبل مليوني حاوية سنويًّا.

وعلى نحو سريع، دشنت إدارة الميناء 12 خطا ملاحيا تربطها بميناء شنغهاي الصيني وبدول حوض المتوسط عبر ميناء ميرسين التركي. كما يرتبط ميناء حمد بخطوط ملاحية مع موانئ الكويت وعمان وإيران وبنغلاديش وباكستان.

‪حكومة مقديشو ألغت عقدا يخول شركة إماراتية إدارة ميناء بربرة الصومالي‬ (رويترز)
‪حكومة مقديشو ألغت عقدا يخول شركة إماراتية إدارة ميناء بربرة الصومالي‬ (رويترز)

استثمارات وصراعات
وفي شرق أفريقيا، تكتسي الموانئ أهمية قصوى بالنظر إلى كونها تطل على دول واعدة اقتصاديا خرجت للتو من حروب أهلية وتسعى لاستقطاب المستثمرين الأجانب.

وتمتلك دولة الصومال عدة موانئ من أهمها ميناء بربرة المطل على باب المندب، الذي كانت تديره شركة إماراتية بناء على عقد ألغته مؤخرا الحكومة الاتحادية في مقديشو لأنه أبرم بطريقة غير قانونية.

وقد صوَّت البرلمان الصومالي بالغالبية على مشروع قرار ينص على منع موانئ دبي من العمل في الأراضي الصومالية.

وكذلك، طردت جيبوتي شركة دبي من إدارة ميناء دوراليه، وأوكلت المهمة إلى "إنترناشيونال لاينز" التي يقع مقرها في سنغافورة وتعتبر من أكبر شركات الشحن البحري في آسيا.

وتستضيف جيبوتي قاعدة عسكرية صينية وأخرى أميركية، مما يعكس جانبا من تكالب القوى العظمى على البقاء قرب مناطق الاضطرابات والحروب.

وترتبط كل من الصومال وجيبوتي بحدود مع إثيوبيا، وهي دولة حبيسة ليس لديها أي منفذ بحري ويبلغ تعداد سكانها مليون نسمة، مما يجعلها بحاجة ماسة إلى خطوط برية سالكة تربطها بموانئ الجيران.

وتبقى الموانئ والمعابر البحرية في منطقة الشرق الأوسط ومحيطها الإقليمي من أبرز نقاط الاستقطاب والتنافس بين دول المنطقة بعضها مع البعض، وبين القوى العظمى.

المصدر : الجزيرة