انتهاك خصوصية المصريين يصل "حمَّامات" الجامعة

حالة غضب مستمرة بين طلبة كلية صيدلة جامعة الاسكندرية بعد وضع كاميرات مراقبة بدورات المياه الصورة مأخوذة صفحة الكلية الرسمية بموقع فيسبوك
كلية الصيدلة بالإسكندرية أثارت غضب الطلبة بعد وضعها كاميرات مراقبة في دورات المياه (مواقع التواصل)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

رغم إزالة إدارة كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية كاميرات المراقبة التي وضعتها داخل دورات مياه الكلية، فإن حالة الغضب التي سيطرت على طلاب الكلية نتيجة ما اعتبروه "انتهاكا صارخا لخصوصياتهم" ما زالت مستمرة، حسبما أفادت به مصادر طلابية، حيث يطالبون باعتذار صريح من الإدارة عن هذا الفعل.

ومع تزايد غضب طلاب الكلية الذي استدعى تفاعلا إعلاميا واسعا من قبل صحف وقنوات محلية، أصدرت الكلية بيانا بررت فيه تركيب كاميرات المراقبة بتزايد حالات السرقة داخل الحمامات، مشيرة إلى أن الشاشة الخاصة بها موجودة داخل غرفة عميدة الكلية، وهو ما زاد من حدة غضب الطلاب.

الحدث أثار استهجانا واسعا من قبل نشطاء ومراقبين في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث رأى فيه كثيرون امتدادا لثقافة "انتهاك خصوصية الآخرين" التي باتت سمة طبيعية لإجراءات النظام المصري بحق المواطنين، وكذلك سيطرت بشكل واسع على ثقافة قطاعات في الشارع المصري.

مسلسل انتهاكات
وبالتزامن مع هذا الحدث، خصصت النيابة العامة المصرية أرقاما لتلقي بلاغات المواطنين ضد بعضهم بشأن ما يُنشر على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مما يرون فيه مساسا بأمن البلاد، وهو ما رآه البعض معززا لثقافة انتهاك الخصوصية وانتزاعا للحريات.

ومؤخرا، وافقت لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب من حيث المبدأ، على مشروع قانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات" المقدم من الحكومة، والذي تنص بعض مواده على متابعة رواد مواقع التواصل الاجتماعي وتعقب من يصفهم القانون بـ"الإرهابيين الذين يستخدمون المواقع الإلكترونية".

ويرصد حقوقيون ضمن أبرز أشكال انتهاك الخصوصيات المتزايدة بعد الانقلاب العسكري، حالات المداهمة واقتحام منازل معارضين وتفتيشها وترويع أصحابها دون إذن من النيابة أو احترام لمن يتم استهدافهم بهذه الحملات.

وضمن حالات انتهاك الخصوصية التي أثارت جدلا واسعا مؤخرا، تداول صور مرضى بمستشفى الأمراض النفسية بحي العباسية (وسط القاهرة) وهم يتلقون معاملة سيئة من قبل موظفين في المستشفى، الأمر الذي اعتبرته النيابة العامة "انتهاكا لخصوصية المريض النفسي".

ومن أكثر حالات انتهاك الخصوصية التي أثارت سخرية نشطاء، وضع أهالي أحد أحياء القاهرة الراقية لافتات تحذر من التبول في شوارع الحي كونها مراقبة بكاميرات، مع الإشارة إلى أنه سيتم نشر فيديو لمن يتم تصويره في مواقع التواصل الاجتماعي.

أبو خليل: تزايد حالات انتهاك الخصوصية يرجع إلى عسكرة الثقافة والإعلام (الجزيرة)
أبو خليل: تزايد حالات انتهاك الخصوصية يرجع إلى عسكرة الثقافة والإعلام (الجزيرة)

الاستبداد
ارتفاع مظاهر التتبع غير المشروعة وتزايد أشكال انتهاك الخصوصيات في مصر يراهما الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل انعكاسا لحالة الخوف الناتجة عن الاستبداد وتوابعها من فوضى وعشوائية وتبديد للأصول والأعراف.

وفي حديثه للجزيرة نت، أرجع أبو خليل حالة وضع كاميرات المراقبة وغيرها من مظاهر انتهاك خصوصيات المصريين، إلى ما وصفه بـ"عسكرة الثقافة والإعلام"، وغياب منظمات المجتمع المدني التي بدورها أدت إلى حالة تخبط وانهيار في المساحة الحقوقية، ارتفع معها حجم الانتهاكات والتجاوزات في مختلف المسارات.

تفاقم أشكال انتهاك الخصوصية بمصر وتعددها لا ينحصر -بحسب أستاذ الطب النفسي والخبير الاجتماعي أحمد عبد الله- في سياسة النظام وأفعال المسؤولين فيه، وإنما تمتد لشرائح واسعة من المجتمع المصري، حيث تُشكل مرتكزا مستقرا في وجدان تلك الشرائح وثقافتها، وتنطلق من ثقافة الأبوية والوصاية بتقمص دور المُلم بمصلحة الآخر.

ويرى أستاذ الطب النفسي في حديثه للجزيرة نت أن البيئة التي يعيشها المصريون مشحونة بفكرة انتهاك الخصوصية، ويتم تبريرها باستحضار شعارات مثالية، كالدفاع عن الأخلاق والحرص على المصلحة العامة وتحصين الوعي وتنقية الأفكار.

رويدا خالد: تزايد حالات التجسس وانتهاك الخصوصية مرتبط بزيادة الاستبداد (الجزيرة)
رويدا خالد: تزايد حالات التجسس وانتهاك الخصوصية مرتبط بزيادة الاستبداد (الجزيرة)

خلاف أجيال
ويشير في هذا السياق إلى "رسالة الطمأنة" التي قُوبل بها استياء الطلبة من وضع كاميرات المراقبة، حيث كان الرد التلقائي أن الأمر لا يستدعي القلق كون من ستتاح له المراقبة هم الكبار فقط (الإدارة)، وهو ما يعكس مفهوم حق الكبير أو من يقوم مقامه في انتهاك الخصوصية.

لكنه يلفت إلى أن هذه الثقافة التي فتحت المجال واسعا لانتهاك خصوصيات المصريين، بدأت في الانحسار لدى الأجيال الجديدة التي عاصرت ثورة يناير وما تلاها من أحداث وكان لها دور في تفاصيلها، وهو الأمر الذي يدفع لحدوث صدام بين الأجيال.

وربطت الباحثة الاجتماعية رويدا خالد حالات "التجسس والتلصص وانتهاك الخصوصية" بارتفاع حدة الاستبداد في مصر، حيث ترى أنه كلما زاد الاستبداد ارتفع حجم التضييق على الحريات العامة والشخصية.

وصنفت رويدا في حديث للجزيرة نت ما قامت به إدارة كلية الصيدلة في الإسكندرية باعتباره "انتهاكا صارخا لحرمات طلابها وخصوصياته"، ويتعارض بشكل واضح مع الدور المنتظر للجامعة من التربية على الحرية وتقدير الخصوصية، وهو الأمر الذي يُنتِج جيلا ممسوخا ضعيف الفكر والهوية.

وتذهب الباحثة الاجتماعية إلى أن هذه الإجراءات التي تتخذها جهات مسؤولة، تعبر بشكل واضح عن "هاجس القلق والخوف" المسيطر على المتصدرين للمشهد في هذه المرحلة الزمنية، ومن ثم يدفعها هذا الهاجس إلى تلك الإجراءات التي لا تراعى فيها أي خصوصية فردية أو عامة.

المصدر : الجزيرة