الإمارات.. هوس الهوية

طلال مشعطي

لم تخض الإمارات في شؤون السياسة والاقتصاد وقضايا الساعة فحسب، بل اتجهت أيضا نحو التاريخ والجغرافيا؛ لتضفي على نفسها عمق الحضارة، أملا في صناعة إمبراطوريتها المزعومة.

واستسهلت في سبيل ذلك أن تنسب لنفسها ما ليس لها، وتلوي الحقائق التاريخية انسجاما مع هوسها بالبحث عن الهوية.

تاريخ الإمارات
قبل عام 1971 كانت دولة الإمارات معروفة باسم ساحل عُمان، أو الإمارات المتصالحة؛ إشارة إلى هدنة وقعت في القرن ١٩ بين المملكة المتحدة وعدد من شيوخ العرب، وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة جزءا من الإقليم الذي عرف تاريخيا باسم إقليم عُمان، وترجع تسمية الدولة إلى الإمارات السبع التي شكلت اتحادا في ما بينها، وهي إمارات أبو ظبي ودبي وعجمان والشارقة ورأس الخيمة وأم القوين والفجيرة.

البحث عن الهوية
أعلنت الإمارات مطلع مايو/أيار العام الماضي عن مبادرة "دبي قبل الميلاد"، التي أطلقت لإبراز تاريخ دبي الحضاري.

فقد أعلنت المديرة العامة للمكتب الإعلامي لحكومة دبي منى المري أن المبادرة تهدف إلى تعريف الشباب والعالم بما لا يعرفونه عن تاريخ دبي الحضاري، قديماً وحديثا.

وأكد لؤي الشريف، وهو باحث سعودي مشارك في المبادرة، أنه تم العمل على إعداد محتوى دقيق ومميز لتاريخ إمارة دبي، التي أوضحت الاكتشافات الأثرية مرور الكثير من الحضارات عبرها، أبرزها الحضارة الفرعونية، حيث اكتشفت آثار تابعة لها بدبي، متمثلة في خواتم وقطع فرعونية، مؤكداً أنه تم إعداد حلقات عدة عن منطقة ساروق الحديد، التي لم يكتشف أكثر من 15% فقط من الآثار الموجودة به، حسب الشريف.

ادعاءات تاريخية
الشخصيات التاريخية هي الأخرى كانت جزءا من هذا الهوس الإماراتي؛ ففي عام 2002، ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية خبرا مفاده أن عنترة بن شداد من أصول إماراتية، فقد عزت إلى "تحقيق ميداني" أجراه الباحث الإماراتي حسين البادي نقل فيه عن عدد من كبار السن في منطقة "ليوا" الذين قالت إنهم "تناقلوا الأخبار من أجدادهم أن قبر عنترة العبسي" موجود في ليوا القريبة من أبو ظبي التي كان يطلق عليها اسم الجواء.

وأضاف البادي "لو عدنا إلى تسمية منطقة ليوا لوجدنا أنها محرفة من تسميتها القديمة وهي "الجواء" التي تحولت إلى "اليواء" لأن أهل الإمارات يلفظون الجيم ياء.

وفي السياق ذاته، ذكر الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، في مداخلة هاتفية مع برنامج الرابعة والناس في إذاعة عجمان، "أن الأنباط قدموا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة قبل أربعة آلاف عام، من منطقة شرق الأردن عندما كانت المنطقة خالية تماما من السكان، وكانت هي أول منطقة بدأت التطور في تاريخ البشرية، حتى قبل تطور الصين بآلاف السنين". 

اللهجة القرآنية
في برنامجه "رحيق الإيمان" على قناة أبو ظبي، عزا الشيخ وسيم يوسف اللهجة الإماراتية إلى القرآن الكريم، مستشهدا بقوله تعالى "هاؤم اقرؤوا كتابيه" بعد سماعه متصلا يقول كلمة "يدتيه"، قاصدا جدته.

وزعم يوسف في مقطع صوتي نشر له عبر مواقع التواصل أن الثوب الإماراتي هو ثوب السنة لكونه بلا عنق، وهو ما يشابه ثوب الرسول صلى الله عليه وسلم، على حد قوله.

ونقلت صحيفة البيان الإماراتية عن الشاعر الإماراتي سلطان العميمي قوله "إن اللهجة الإماراتية كانت لغة العرب قبل 15 قرنا".

لوفر أبو ظبي
وضمن مساعيها لصناعة إرث تاريخي، افتتحت الإمارات في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي متحف اللوفر في أبو ظبي، الذي تجاوزت تكلفة إنشائه مليار دولار، واستغرق بناؤه عشر سنوات، وقد ضم نحو ستمئة عمل فني دائم العرض، بالإضافة إلى ثلاثمئة عمل أعارتها فرنسا للمتحف بشكل مؤقت.

واعتبرت الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات هذا الحدث -الذي تفتخر به أبو ظبي- "نكسة لتاريخ الإنسانية"، ورأت في النسخة الجديدة من اللوفر في أبو ظبي، التي أعطت فرنسا الضوء الأخضر لها، "بمثابة عامل مشوه لصرح اللوفر العظيم في باريس".

وادعت الحملة أن "القطع الأثرية المسروقة من مصر"، التي تم تهريبها مؤخرا، تمت بعلم بعض المتنفذين في مصر وأبو ظبي.

قضم الجغرافيا
ولم تكتف الإمارات بملاحقتها التاريخية للهوية التي تحاول صناعتها؛ فعلى الصعيد الجغرافي عرضت الإمارات في يناير/كانون الثاني الماضي في متحف لوفر أبو ظبي خارطة ضمت فيها محافظة "مسندم" العمانية إليها, الأمر الذي أثار غضب العمانيين، ووصفوه "بالتزوير التاريخي".

وغير بعيد، قال الباحث الإماراتي جمعة الجنيبي إن أبناء الإمارات حلوا في جزيرة "سقطرى" اليمنية منذ القدم، وتزوجوا من أهلها، وتربطهم علاقات تجارية تاريخية.

وذكر ناشطون يمنيون أن الإمارات "تقوم بسرقة الأحجار النادرة والأشجار المعمرة من جزيرة سقطرى"، ونقلها إلى الإمارات.

وفي هذا السياق، قال الناشط والأكاديمي الجنوبي حسين اليافعي إن الإمارات تنهب شجرة "دم الأخوين" النادرة من الجزيرة وتنقلها إلى شوارع أبو ظبي، مؤكدا أن ما تقوم به الإمارات في اليمن هو "تصرفات محتل".
 
وتحاول الإمارات أن تسوق ما تعتقد بأنها معطيات لبناء "رواية جديدة لتاريخ حضاري" لا تقوم الشواهد الجدية على وجوده، ولا يساعد على بنائه تاريخ المنطقة المحفوظ نسبيا، والمسطر بطريقة لا تترك "فراغات وثائقية" كبرى يمكن ملؤها بالفرضيات والنظريات التي لا تسعفها المعطيات الدقيقة.

المصدر : الجزيرة