الدول العربية على خط الأزمة الإثيوبية

Supporters of Bekele Gerba, secretary general of the Oromo Federalist Congress (OFC), chant slogans to celebrate Gerba's release from prison, in Adama, Oromia Region, Ethiopia February 14, 2018. REUTERS/Tiksa Negeri TPX IMAGES OF THE DAY
الاحتجاجات في إقليمي أروميا وأمهرا بدأت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015 واستمرت حتى بداية العام الجاري (رويترز)
عادل الباز*

تراقب دول الجوار العربي ومعها دول القرن الأفريقي بقلق التطورات التي تعيشها إثيوبيا، حيث تتصاعد المخاوف من اندلاع حرب أهلية من شأنها نسف استقرار المنطقة والتأثير على الدول المحيطة.
 

المحور السياسي والعسكري
اعتبرت مصر أن بناء سد النهضة الإثيوبي دون اتفاق معها يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي، وهو ما لخصه الباحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية نادر نور الدين بالقول إن "المياه قضية أمن قومي لأننا لا نملك موارد غير نهر النيل.. مصر تعتمد بنسبة 97% على مياه نهر النيل التي تأتي من خارج الحدود".

وانطلاقا من ذلك، سعت مصر إلى تعطيل بناء السد بشتى الطرق القانونية والسياسية وعبر المفاوضات، ولكن جهودها لم تفلح في ثني إثيوبيا عن بناء السد الذي اكتملت منشآته بنسبة 63%.

وفي خضم ذلك شهد الصراع حول سد النهضة بين أديس أبابا والقاهرة تجاذبات واتهامات بتدخل مصر في ما يجري بإقليم أروميا.

وقد اتهم صراحة رئيس الوزراء ديسيلين الطرف المصري بالتدخل في بلاده حينما قال إن "العناصر المناوئة للسلام في إثيوبيا تتلقى دعما ماليا وتدريباً في القاهرة، وإن قيادات المعارضة المسلحة انتقلت من إريتريا إلى القاهرة لتتلقى الأوامر من الأخيرة لزعزعة الاستقرار واستهداف أمن إثيوبيا القومي".

كما ساهمت التحركات المصرية العسكرية مؤخرا عبر قاعدتها العسكرية بإريتريا في تعزيز تلك الاتهامات، حينما كشفت مصادر خاصة لمراسل الجزيرة في إثيوبيا عن وصول تعزيزات عسكرية من مصر تشمل أسلحة حديثة وآليات نقل عسكرية وسيارات دفع رباعي إلى قاعدة "ساوا".

وردت إثيوبيا بتحركات مماثلة، ففي 5 يناير/كانون الثاني الماضي نقلت صحيفة "الصيحة" السودانية عن مصادر إثيوبية أن قيادة المنطقة الغربية الإثيوبية أرسلت تعزيزات عسكرية قبالة المثلث الحدودي مع جارتها إريتريا.

كان يُنظر لإثيوبيا قبل بداية الاحتجاجات على أنها نموذج باهر للحكم استطاع إدارة التنوع العرقي والمناطقي(رويترز)
كان يُنظر لإثيوبيا قبل بداية الاحتجاجات على أنها نموذج باهر للحكم استطاع إدارة التنوع العرقي والمناطقي(رويترز)

الموقف السوداني
بدوره سارع السودان مطلع العام الحالي إلى نشر آلاف الجنود على طول الشريط الحدودي مع إريتريا، بالموازة مع تقديم دعم سياسي لإثيوبيا "بحكم الروابط القوية وتاريخ المصالح والمصير المشترك".

وعبرت الخارجية السودانية في بيان لها عن مساندتها لإثيوبيا في الظروف "الدقيقة" التي تمر بها "بما يحفظ وحدة شعبها وتماسكها والسلم الأهلي بين مكوناتها".

وعلى ضوء تلك التطورات دخلت بعض دول الخليج العربي على خط الأزمة الإثيوبية بفعل التحالفات القائمة بين القاهرة والإمارات والسعودية وإريتريا التي تستضيف قواعد عسكرية مصرية وإماراتية في جزرها وموانئها -وأهمها ميناء عصب- وفي الممرات المائية بين إرتيريا وجيبوتي عند مدخل مضيق باب المندب الإستراتيجي، بحسب مجلة "جنيز ديفنس" الأسبوعية المتخصصة في الشؤون الدفاعية.

وفي انتظار كيف ستؤول الأزمة الإثيوبية، حذّر الخبير في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الأميركية "ستيفن كو" من احتمال تورط دول خليجية في هذه الحرب، مشيرا إلى أن الإمارات ستنخرط في هذا الصراع على ضوء علاقاتها بمصر وإريتريا.

ويعتقد مراقبون أن هناك أربع دول عربية مرشحة للانخراط في الصراع الإثيوبي الداخلي، فالسودان الحليف الوثيق للنظام الإثيوبي يتخوف من حرب أهلية في إقليم أروميا تدفع بآلاف اللاجئين إلى داخل حدوده. كما سيؤثر الصراع سلبا على إكمال بناء سد النهضة الذي يعول عليه في مده بالطاقة الكهربائية التي تمكنه من إقامة مشاريع زراعية ضخمة.

في المقابل، ستجد مصر في الصراع الداخلي الإثيوبي فرصة لوقف تقدم بناء السد أو تعطيله نهائيا. وبانشغال إثيويبا بصراعاتها الداخلية سيعزز التحالف السعودي الإماراتي الإريتري وجوده السياسي والعسكري في منطقة القرن الأفريقي.

المحور الاقتصادي
سيؤثر المشهد الداخلي الإثيوبي لا محالة على المشهد الإقليمي، حيث تسعى دول متعددة إلى تعزيز نفوذها في منطقة غنية بثروتها المائية التي يشكل فيها النيل عصب الحياة، بالإضافة إلى موقعها الإستراتيجي الذي جعل عواصم تتسابق لتجد موطئ قدم لها في المنطقة، عسكريا كان أو اقتصاديا.

ويتوقع أن يؤثر الصراع الدائر في إثيوبيا على أهم ممر مائي في العالم بمنطقة القرن الأفريقي (البحر الأحمر) الذي تمتد شواطئه على مدى أربعة آلاف كيلومتر يربط بين ثلاث قارات (أفريقيا وآسيا وأوروبا) ويمر عبره أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا.

فالبحر الأحمر يستحوذ على نسبة 13% من تجارة العالم سنويا، وتبلغ قيمة إجمالي التجارة للدول المطلة على البحر الأحمر 517 مليار دولار سنوياً، بما يعني أن أي صراع على شواطئه سيلحق أضرارا هائلة باقتصادات كل دول المنطقة، كما سيؤثر على اقتصادات دول أخرى بعيدة.

ومن المحتمل أن تكون الاستثمارات العربية في إثيوبيا (نحو 46.2 مليار دولار حسب إحصاءات مفوضية الاستثمار الإثيوبي) معرضة للخطر. وتأتي السعودية في المرتبة الأولى إذ تستثمر -حسب القنصل العام لإثيوبيا في مدينة جدة مروان بدري خمسين مليار ريال (13.3 مليار دولار)، إضافة إلى استثمارات أخرى قطرية وإماراتية وسودانية.

في المقابل، تبلغ الصادرات الإثيوبية إلى دول الخليج 16 مليار دولار، ومن المرجح أن تتأثر إذا تفاقمت الأزمة السياسية ولم يجد الساسة الإثيوبيون حلا لها.
_________________________
* رئيس تحرير صحيفة "الأحداث" الإلكترونية

المصدر : الجزيرة + وكالات