أطفال التوحد يثيرون الشارع التونسي

بعض أهالي الأطفال المرضى بالتوحد يطالبون بالإفراج عن مديرة المركز أمام منطقة الأمن بأريانة/العاصمة تونس/فبراير/شباط 2018
بعض أسر الأطفال المرضى بالتوحد طالبت خلال وقفة بالإفراج عن هالة مديرة المؤسسة (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

"لن أترك ابني في هذا المركز إذا أطلق سراح مديرته"، بهذه النبرة التهديدية تعبر سمية -التي التحق ابنها المصاب بالتوحد قبل ثلاث سنوات بمؤسسة خاصة لرعاية الأطفال الذين يعانون من المرض بولاية أريانة قرب تونس العاصمة– عن موقفها الذي يطالب بمحاسبة المتورطين في تعذيب وسوء معاملة الأطفال الذين يستفيدون من خدمات المؤسسة.

وتحوّل الموضوع إلى جدل في الأوساط التونسية بعد تداول مواقع التواصل الاجتماعي السبت الماضي مقاطع فيديو مسربة من داخل هذه المؤسسة الخاصة تظهر إحدى المربيات وهي بصدد تعنيف طفل مصاب بمرض التوحد، مما أدى إلى موجة كبيرة من الشعور بالغضب بأوساط الرأي العام ودفع السلطات للتحرك.

ونتيجة لذلك، أذنت النيابة العامة في المحكمة الابتدائية بأريانة بإيقاف مديرة المؤسسة ومربيتين أخريين في السجن بتهمة "التعذيب وسوء معاملة قاصرين والاعتداء بالعنف على الطفولة" بعد شكاوى تقدمت بها بعض عائلات الأطفال المرضى بالتوحد.

وبينما طالبت أسر بمحاسبة كل المذنبين عن انتهاك حقوق أطفالها، دعا أولياء آخرون للإفراج عن المديرة وعدم غلق المركز.

تقول سمية التي تظهر على ملامحها علامات الحيرة، إنها لم تسجل سوى تحسن طفيف في سلوك ابنها منذ التحاقه بهذا المركز الخاص برعاية الأطفال المرضى بالتوحد.

ورغم أنها أكدت عدم ملاحظتها أي علامات تعذيب على جسده، فإنها لا تخفي خشيتها من إمكانية تعرضه لاعتداءات أخرى لم تخلف آثارا.

مع ذلك، تطالب بعدم إغلاق المركز الخاص برعاية الأطفال المرضى بالتوحد لعدم توفر مراكز متخصصة في هذا المجال.

سمية طالبت بعدم إغلاق المؤسسة الخاصة برعاية أطفال التوحد (الجزيرة)
سمية طالبت بعدم إغلاق المؤسسة الخاصة برعاية أطفال التوحد (الجزيرة)

اعتقال تعسفي
في المقابل، تساند عائلات أخرى مديرة المؤسسة هالة الشنوفي، إذ تجمع العشرات من أفراد تلك العائلات أمس أمام منطقة الأمن بأريانة للمطالبة بالإفراج عنها. ومن هؤلاء نجلى والدة نادر (12 عاما) المسجل بالمركز المذكور منذ نصف عام.

وتبرز على وجه نجلى علامات الغضب بسبب ما اعتبرته اعتقالا تعسفيا ومهينا لمديرة مركز رعاية الأطفال المرضى بالتوحد، وصرحت للجزيرة نت بأن المديرة "بريئة" من الاتهامات الموجهة إليها، وأنه يجب تحميل المسؤولية فقط للمربيات الضالعات بالاعتداء.

وقد كشفت والدة نادر أن مديرة المركز تعرضت لابتزاز من مربية مطرودة من هذا المركز أعلمتها بأنها تريد الحصول على مبلغ مالي مقابل تخليها عن تسريب الفيديو المسجل، لكن المديرة أعلمت منذ شهر بعض الأولياء بحقيقة الموضوع، وأوقفت المربية المعتدية أسبوعين عن العمل، وفق قولها.

وترفض نجلى مع آخرين فكرة غلق المركز الذي ساعد -بحسبهم- أبناءهم على التحسن في الاندماج في حياتهم اليومية. ويعود الفضل في ذلك للجهود التي بذلتها مديرة المؤسسة في ظل تنصل الدولة من مسؤولياتها تجاه مرضى التوحد، بحسب المتحدثة ذاتها.

‪نجلى شكرت مدير المركز لجهودها في معالجة الأبناء المصابين بالتوحد‬ (الجزيرة)
‪نجلى شكرت مدير المركز لجهودها في معالجة الأبناء المصابين بالتوحد‬ (الجزيرة)

عقوبات متوقعة
ويتوقع أن يتواصل اعتقال مديرة المركز والمربيتين على ذمة القضاء بسجن النساء بمنوبة (العاصمة تونس) إلى حين تحديد جلسة محاكمة قد تنتظر أسابيع. ويعاقب الفصل 224 بالقانون الجنائي بالسجن خمسة أعوام كل من اعتاد سوء معاملة طفل أو قاصر موضوع تحت ولايته أو رقابته.

وبحسب ما أعلنته وزارة الداخلية، فإن المتهمات في هذه القضية المثيرة للجدل اعترفن بالتهم المنسوبة إليهن، في حين يواصل المركز عمله بصفة عادية.

وكانت الحكومة التونسية قررت الاثنين الماضي إخضاع جميع الأطفال الذين يؤمون مؤسسة رعاية أطفال التوحد بأريانة إلى الرقابة الصحية والنفسية من قبل أخصائيين تابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية، ووضع المركز تحت الرقابة لهذه الوزارة لحين استكمال جميع الأبحاث.

وقال المندوب العام للطفولة التابع لوزارة شؤون المرأة مهيار حمادي إن مركز رعاية أطفال التوحد في أريانة لا يخضع للشروط القانونية، كاشفا أن مديرته تحصلت على ترخيص لإدارة مدرسة خاصة من وزارة التربية، وأنه لا يستجيب لمعايير إدارة مركز متخصص لرعاية مرضى التوحد.

من جهة أخرى، أرجع رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل معز الشريف تفشي حالات سوء معاملة الأطفال إلى تخلي الدولة عن مسؤولياتها الدستورية في توفير حق العلاج للأطفال المرضى، وفسحها المجال للاستثمارات الخاصة دون مراقبة للمراكز الخاصة.

المصدر : الجزيرة