جنرالات مصر.. من يكسب في صراع "صناديق الأسرار"؟

المستشار هشام جنية - الفريق سامي عنان
توعّد الجيش المصري بإحالة جنينة (يمين) وسامي عنان (يسار) للتحقيق على خلفية تصريحات جنينة (الأوروبية)

أمين محمد حبلا

أدخلت تصريحات الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة بامتلاك رئيس الأركان المصري السابق سامي عنان بئر أسرار حول مرحلة ما بعد الثورة، الصراع بين كبار جنرالات مصر إلى منعطف جديد قد تكون له تداعياته العميقة على مجمل الوضع السياسي والأمني في البلاد.

فقد بادر الجيش المصري إلى إحالة الفريق عنان والمستشار جنينة إلى التحقيق، واعتبر أن تصريحات الأخير تشكل جرائم تستهدف إثارة الشكوك حول الدولة ومؤسساتها، في وقت تخوض فيه القوات المسلحة معركة الوطن في سيناء لاجتثاث جذور" الإرهاب".

وقد اعتقلت قوات الأمن هشام جنينة ظهر اليوم من منزله في إحدى ضواحي القاهرة، واقتادته في سيارة إلى جهة غير معلومة، قبل أن تتواتر أخبار عن وجوده في مقر النيابة العسكرية.

وكان جنينة، وكيل حملة ترشح رئيس الأركان السابق للقوات المسلحة الفريق سامي عنان، قد عبّر عن خشيته من تعرض عنان للتصفية في السجن، وهدد في تلك الحال بنشر وثائق تدين الكثير من قيادات الحكم الحالي في مصر.

وقال في مقابلة مع موقع "هافنغتون بوست عربي" إن عنان لديه وثائق وأدلة -سماها "بئر أسرار"- ستغيّر مسار المحاكمات السياسية وتدين أشخاصا آخرين، وتكشف حقيقة "الطرف الثالث" الذي قام بالعديد من الجرائم السياسية في مصر عقب ثورة 25 يناير.

وأوضح أن تلك المستندات تتعلق بما اعتبرها أزمات حقيقية مرّ بها المجتمع المصري منذ 25 يناير/كانون الثاني 2011 وصولا لوقتنا هذا، من بينها الحقائق عن أحداث محمد محمود، وكذلك تفاصيل ما جرى في مجزرة ماسبيرو.

أسئلة عالقة
ألقت تصريحات جنينة حجرا كبيرا في بركة المشهد السياسي المصري، ونجحت في شد الانتباه وإثارة لغط سياسي وحقوقي يتوقع أن يستمر لمدة، لكنها بالمقابل هيأت أرضية "قانونية" لملاحقة الرجل ومرشحه قضائيا، حيث سارع المتحدث باسم الجيش المصري إلى الإعلان عن عزم المؤسسة العسكرية إحالة الرجلين إلى التحقيق على ضوء تصريحات جنينة بامتلاك عنان وثائق تدين "طرفا ثالثا" في الدولة.

وهو ما أثار تساؤلات بشأن المبررات التي دفعت الجيش -دون غيره من مؤسسات الدولة- للتعليق والتهديد ردا على تصريحات جنينة التي لم تخص المؤسسة العسكرية باتهام محدد، وكان الأولى أن يأتي الرد من المؤسسات السياسية أو القضائية المعنية، أما الزج بالمؤسسة العسكرية في "المعارك السياسية" فليس في صالحها ولا في صالح مصر، وفق محللين.

وعلى مستوى آخر أثارت تصريحات الرجل لغطا آخر بشأن توقيت الكشف عن هذه المعلومات التي توصف بالخطيرة، وعن سر صمت الرجل طيلة السنوات الماضية وهو يحمل على عاتقيه وثائق تدين مرحلة بكاملها وتقديم رواية مختلفة لها.

يقول موالون للنظام إنه حتى مع افتراض وجود انتهاكات أو تجاوزات، فإن عنان لا يمكن إلا أن يكون شريكا أو متواطئا بشأنها بحكم وجوده على رأس الجيش في مرحلة ما بعد ثورة يناير، بينما يرى أنصار الرجل أن الخوف على حياته منعه من الكشف عنها، في انتظار أن تتهيأ فرصة أفضل يكون لأجهزة الدولة المختلفة السياسية والقضائية الحد الأدنى من القدرة على التعامل مع هذه الوقائع والوثائق.

بيد أن آخرين شككوا في وجود هذه الوثائق من الأصل، ورأوا أن ما كشفه المستشار جنينة يأتي في سياق الضغط للحفاظ على حياة عنان، إذ كيف للرجل أن يحتفظ لنفسه بكم هائل من الوثائق المُدينة لرجالات في النظام وأجهزة خادمة له، في حين يمور البلد منذ سنوات بأحداث تشيب لها الولدان قتلا وسجنا وإدانة للبعض بجرائم لم يرتكبوها ووصم آخرين بتهم براءتهم منها كبراءة الذئب من دم يوسف.

ماذا بعد؟
دخل ملف جنينة وعنان في "نفق مظلم" بعد إعلان الجيش عزمه إحالتهما للتحقيق على خلفية تصريحات جنينة التي تنصل منها محامي عنان، وتبدو السيناريوهات مفتوحة على احتمالات وسيناريوهات عدة من بينها:

– كشف المستور وإخراج الوثائق المخفية أو جزء منها للتدليل على صحة وصدقية حديث المستشار من جهة، ولمزيد من الضغوط على الجهات العسكرية والسياسية التي تقف خلف اعتقال عنان وتحريك الدعوى ضد الرجلين من جهة ثانية، وهو خيار مستبعد حتى مع الجزم بوجود وثائق بحوزة الفريق وصحبه، باعتبار أن مثل هذا الخيار يمثل "الطلقة الأخيرة" التي لا يتوقع إفراغها قبل وصول الصراع إلى مرحلته الحاسمة.

– إنكار عنان علمه بالوثائق وبراءته منها، وهو احتمال ربما جاءت تصريحات محاميه تهيئة له، وقد يساهم -إن حدث- في التخفيف من حدة الأزمة وتفاعلاتها، ويحصر نطاقها قضائيا -لا سياسيا- على مستوى المستشار جنينة الذي لم يترك لنفسه خط رجعة بعد بث التسجيل صوتا وصورة.

ومع عدم القطع باستبعاد هذا السيناريو، فإن بعض أنصار الفريق عنان يرون أن ما يصفونه بـ"عناد" الرجل يمنعه من ذلك، فضلا عن أنه من المستبعد أن يكون جنينة ألقى بمثل هذه التصريحات القوية دون تشاور وتفاهم مسبق معه.

– إدانة الرجلين قضائيا وإصدار أحكام مشددة عليهما، وهو ما يشي بتصاعد صراع الأجنحة داخل النظام، فالفريق سامي ابن المؤسسة العسكرية وصاحب الرتب العالية فيها ورئيس أركانها السابق، ومن المرجح أن له فيها عصبة وأنصارا، أما جنينة فهو ضابط أمن سابق، ورجل قضاء وقانون وله مكانته بحكم تجربته ومساره المهني الذي أوصله إلى هرم أعلى جهاز رقابي في الدولة.

– اتساع دائرة الصراع ودخول أطراف أخرى على الخط، وهو سيناريو ترجحه طبيعة الفاعلين في هذا الصراع الذي يصفه البعض بصراع كبار الجنرالات على تركة "الرجل المريض"، هو صراع تكشفت العديد من خيوطه في الشهور الماضية على شكل تسريبات متبادلة وإقالات واحتكاكات بين الفينة والأخرى، ومن آخر تجلياته تكليف السيسي مدير مكتبه اللواء عباس كامل بتسيير جهاز المخابرات العامة خلفا للواء خالد فوزي، وسط جدل في مصر أثارته فضيحة التسريبات وتساؤلات بشأن الظروف التي ستجري في ظلها انتخابات الرئاسة المرتقبة.

وبغض النظر عن المآلات المرتقبة في قضية المستشار والفريق فالواضح أن الصراع في مصر تحول في المدة الأخيرة من صراع بين السياسة ورجالها، والسلطة ومعارضتها، إلى صراع مستفحل بين "الدولة" ورجالها، وبين الأجهزة وأطرافها.. وذلك ما يرى فيه البعض "موتا للسياسية في مصر".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية