الدعاية الإعلامية.. جيش إسرائيل الموازي

عبد الصمد درويش

أسهمت الممارسات شبه اليومية والحروب والاعتقالات التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في تعزيز حالة الوعي لدى الجمهور العالمي بعدوانية هذا الكيان كقوة احتلال؛ مما دفع السلطات الإسرائيلية لإعادة النظر في أسلحة المواجهة نحو هذا الوعي المتزايد والرافض لممارساتها.

أوكلت الحكومة الإسرائيلية إلى وزارة الشؤون الإستراتيجية والإعلام (وهي وزارة غير تقليدية تديرها مجموعة من ضباط الاستخبارات بقيادة جلعاد أردان إلى جانب منصبه وزيرا للأمن) مهمة الدعاية الإعلامية، وتجنيد الناشطين الإعلاميين فيها، وتوحيد جهود مؤيدي إسرائيل عبر منصة واحدة، فضلا عن إمدادهم بالخطط والأدوات اللازمة.

واعتمدت إسرائيل على هذه الجهود والمنظمات الدعائية في مواجهة حملات المقاطعة العالمية، مشكلة منها جيشا آخر ذخيرته الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

وتقدم وزارات الخارجية والداخلية والاقتصاد وأذرعها في الخارج الدعم والمساندة لعمل وزارة الشؤون الإستراتيجية والإعلام.

‪فلسطيني يحمل لافتة تشير إلى حركة المقاطعة العالمية (‬ (الأوروبية)
‪فلسطيني يحمل لافتة تشير إلى حركة المقاطعة العالمية (‬ (الأوروبية)

المال للدعاية
تكشف مقالات صحفية إسرائيلية إنفاق سلطات الاحتلال في الأشهر الأخيرة من العام الماضي نحو مليار ونصف شيكل (نصف مليار دولار تقريبا) على الدعاية الإعلامية الموجهة، وتنوعت بين شراء مقالات وتغطيات صحفية باللغة الإنجليزية ولغات أوروبية؛ لتحسين صورة الاحتلال ومواجهة حركة المقاطعة العالمية "بي دي أس" (BDS).

وقالت فانكين غيل مساعدة الوزير أردان إنها تريد صناعة مجتمع من المقاتلين وإغراق الشبكة العنكبوتية بالدعاية الإسرائيلية التي لا تبدو ظاهرة الصلة بالحكومة، كما يدشن أوفير -جندلمان الناطق باللغة العربية بلسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو– حملاته الدعائية، مؤكدا أنه يستهدف 158 مليون حساب بالعربية على فيسبوك، والعدد في تضاعف كل عام.

ويكشف حسن كعبية -المسؤول عن قطاع الدعاية باللغة العربية بالخارجية الإسرائيلية- عن توظيف أنشطته بمواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع الجمهور العربي على الانفتاح على إسرائيل، وقبول التطبيع معها، والحرص على التواصل مع المؤثرين بمواقع التواصل بالعربية؛ كالكتاب والصحفيين والأكاديميين، ويقول إن جهوده أسفرت عن تنظيم وتمويل 12 زيارة لوفود من دول عربية إلى إسرائيل.

تنسيق دولي
لم تكتف وزارة الشؤون الإستراتيجية والإعلام الإسرائيلية بتكثيف جهودها عبر القنوات الإعلامية والمواقع والصحف ومنصات التواصل الاجتماعي، بل مضت أيضا نحو التنسيق مع المنظمات الأخرى، فقد أنفقت مئات الملايين لإنشاء شبكة واسعة من المنظمات والأفراد لتمثيل إسرائيل وخلق أذرع لها في الساحة العالمية.

يأتي في مقدمتها على المستوى العالمي ما يعرف "بالتحالف العالمي من أجل إسرائيل" (GC4I)، وهو تكتل أنشئ بمساعدة منظمات يهودية، منها المؤتمر اليهودي العالمي (WJC) الذي يرأسه المليونير رون لاودر، وشارك هذا المؤتمر سابقا مع الخارجية الإسرائيلية في تطوير تطبيق يحث متصفحي الإنترنت على دعم إسرائيل.

وهناك أيضا "المركز متعدد المجالات للمبادرة والقيادة"، المعروف باسم (ICYL)، ويديره يتسحاق ألدان، وهو مسؤول سابق بالخارجية، و"منظمات زمالة الطلاب اليهود" (AEPi)، و"الاتحاد العالمي للطلاب اليهود" (WUJS)، ومنظمة "هيلل" الطلابية أيضا، وحركة "حاباد" اليهودية، ومنظمات الدعاية الإسرائيلية، وفق موقع "العساس" المهتم بترجمة الصحافة العبرية.

‪الوزير جلعاد أردان‬ (الأوروبية)
‪الوزير جلعاد أردان‬ (الأوروبية)

الوحدة 8200
تمضي هذه الجهود بالتوازي مع ما تقوم به وحدة الاستخبارات الإلكترونية (8200) من جمع للمعلومات ورصد للمصادر المتعددة على منصات الإعلام الاجتماعي في يوتيوب وفيسبوك وتويتر وشبكات أخرى، وهي ترصد المزاج العام وتحلل المعلومات وتطابقها مع بيانات مصادرها الاستخباراتية.

أدرعي.. الواجهة
لا تكاد تمر مناسبة دينية أو غير دينية إلا وبرز الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي مخاطبا الجمهور العربي ومتوددا بتنويع أساليب خطابه، وأصبح أدرعي يقدم دروسا مصورة في اللغة العربية وقواعد الإعراب.

كما يشيد أدرعي بتفاعل وثقافة الشباب العربي خاطبا ودهم، ويقول إن بعض الشباب العربي يمتلك ما سماها "ميزات خاصة" تؤهلهم للانضمام إلى "هيئة استخبارات جيش إسرائيل". ويتبع أدرعي وأغلب المتحدثين باسم الاحتلال الإسرائيلي عبر الإعلام العربي أساليب متنوعة؛ كأن يخاطب المذيع العربي بعبارة "أخي العزيز"، أو يستخدم مصطلحات وأمثلة من العربية لتمرير رسائل.

ويأتي تكثيف الدعاية الإسرائيلية انطلاقا من دراسات عديدة، من بينها دليل التعامل مع الإعلام الذي أعده خبير استطلاعات الرأي فرانك لونتز، وجرى تسريبه في 2009 لإنجاح الدعاية وتطوير أساليبها، والتركيز في التواصل مع المؤثرين في الإعلام الاجتماعي من صحفيين وأكاديميين، واستبدال الناطقين العسكريين التقليديين بوجوه شابة وتدريبهم ليكونوا أكثر مرونة في خطاباتهم، وذلك لتحسين صورة الاحتلال لدى الرأي العام عامة والعربي خاصة.

المصدر : الجزيرة