نار وغضب بواشنطن ولهب وحريق بالشرق الأوسط

محمد لحبيب

مع اكتمال العام الأول للرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، ارتسمت في المنطقة العربية ملامح الإستراتيجية التي نشر بعض تفاصيلها الصحفي الأميركي مايكل وولف في كتابه "نار وغضب" في بيت ترمب الأبيض.

عدو وصديق وضعيفان
تختزل إستراتيجية ترمب -كما صورها وولف- المنطقة في أربع دول هي إسرائيل وإيران والسعودية ومصر، ويضع الرئيس وفريقه معالم خطة التعامل بناء على مواقع كل من الأطراف الثلاثة.

هناك عدو لأميركا هو إيران، وصديق هو إسرائيل، وحليفان "على وشك الانهيار" هما مصر والسعودية، يجب -وفق الخطة- دفع الحليفين بالتخويف من العدو ليكونا في حلف مع الصديق.

وعند الغوص في التفاصيل، تعتبر مصلحة الصديق هي محور كل الإستراتيجية، وهو ما عبر عنه كبير مستشاري الرئيس للشؤون الإستراتيجية ستيف بانون حين قال "دعونا نعطي الضفة الغربية للأردن، وغزة لمصر، لندعهم يحلّون المشاكل هناك أو يغرقون في المحاولات. السعودية على وشك الانهيار، والمصريون على حافة الانهيار".

وبهذا التصريح تكون معالم الخطة التنفيذية للإستراتيجية قد اتضحت، يضاف إليها ما صرح به ترمب نفسه من نيته سحب كل أموال منطقة الخليج إلى الاقتصاد الأميركي.

صفقة القرن
ومع اتضاح معالم الخطة التنفيذية تتضح محاور "صفقة القرن" التي تقضي بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على طريقة ترمب، وهي تسليم أغلب الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشريف، لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، ودمج إسرائيل في المنطقة من خلال التحالف مع الدول السنية.

وبعد زيارته للسعودية، بشَّر ترمب بهذه الخطة حين أعلن أنه لمس تبدلا في المشاعر تجاه إسرائيل، وهو ما وجد صدى واسعا في الصحافة السعودية، ولدى مغردين ونشطاء قريبين من القصر السعودي، انخرط بعضهم علنا في الدفاع عن إسرائيل واعتبارها أقرب إلى مصالح السعودية من إيران.

ولم يبق الأمر مجرد استنتاجات، فعندما تجرأ ترمب وأعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعزمه نقل السفارة الأميركية إليها، خرجت التسريبات من مصر بتوجيه وسائل الإعلام التابعة للنظام الحاكم بأن "مصر لا تمانع من القبول بتسليم القدس إلى إسرائيل، واعتبار رام الله عاصمة لفلسطين".
 
يكشف الكتاب الذي وصفه ترمب بالأكاذيب، أن الرئيس الأميركي يريد رسم مستقبل جديد للمنطقة عبر التحكم في مطامح بعض قادتها ومخاوفهم وأطماعهم، دون حساب لمصالح الشعوب، فالنار والغضب هناك في البيت الأبيض، واللهب والحرائق هنا في الشرق الأوسط

كما خرج مسؤولون فلسطينيون عن صمتهم، وقالوا علنا إن السعودية عرضت "صفقة القرن" على الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي التقاه العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، وحاولا ثنيه عن قمة إسلامية دعت إليها تركيا وخُصِّصت لنقاش قرار ترمب بشأن القدس.

وكان عدم حضور قمة إسطنبول هو الرسالة التي نقلها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الملك الأردني عبد الله بن الحسين، إلا أن الأخير لم ينصع لرغبة الرياض وحضر إلى إسطنبول.

وسربت الصحافة تهديدات تلقاها عباس من ابن سلمان بشأن المساعدات السعودية إلى السلطة الفلسطينية.

الطموح القائد
إضافة إلى الخوف من إيران، استغل ترمب -بحسب وولف- طموح ولي العهد السعودي في الجلوس على عرش المملكة وخلافة والده، وأعطاه الضوء الأخضر لإزاحة ابن عمه محمد بن نايف من ولاية العهد، رغم معارضة وزارة الخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية لتنحية الأخير.

وكما أطلقت واشنطن يد ابن سلمان في اللعب بالتوازنات التقليدية داخل العائلة الحاكمة، فاعتقل جمعا من أمرائها لمساومتهم على التنازل عن جزء من ثرواتهم مقابل الحرية، فقد أطلقت أيضا يده صحبة ولي عهد أبي ظبي محمد بن زايد لإيذاء من يقف في طريق مشاريعهما في المنطقة، فجاء حصار قطر بعد أيام من زيارة ترمب إلى السعودية.

يعتبر ترمب أنه وضعَ رجُلَهُ على العرش في السعودية، التي عاد منها محملا بصفقات تقارب نصف تريليون دولار، وأدى فيها رقصة على هامش حفلة كلفت 75 مليون دولار، ولذا فهو يرى أن علاقة صهره جاريد كوشنر بولي العهد السعودي أهم من القواعد التقليدية للسياسة الأميركية.

عدو مطلق اليد
رغم كون الإستراتيجية تنظر إلى إيران على أنها عدو أميركا في المنطقة، فإن ترمب يكتفي بتفعيل التحالفات الإقليمية التقليدية للضغط على طهران، دون أي جهد عملي لكف يدها عن العواصم العربية التي باتت تتحكم في جزء كبير من قرار أربع منها، وتتحكم القوى التابعة لها بموازين القوة داخل هذه العواصم الأربع.

كما أن روسيا التي يَعُدُّها ترمب من جملة الأشرار، باتت مطلقة اليد في ساحات بالمنطقة من بينها سوريا التي يغطي سماءها الطيران العسكري الروسي، ويعامل رئيسها في سوريا معاملة الفاتحين، دون أن يخفي معارضته للسياسة الأميركية بالمنطقة.

والمرة الوحيدة التي خرج فيها ترمب عن قاعدة التسليم للروس وإيران في سوريا كانت -كما يقول وولف- بتحريض من ابنته وصديقتها اللتين عرضتا أمامه صورا لمذابح أطفال بسوريا، فأمر بتوجيه الضربة تحت تأثير الصور، وانتهى الأمر.

يكشف الكتاب الذي وصفه ترمب بالأكاذيب، دون أن يكذب أحد مساعديه ما أورده المؤلف، أن الرئيس الأميركي يريد رسم مستقبل جديد للمنطقة عبر التحكم في مطامح بعض قادتها ومخاوفهم وأطماعهم، دون حساب لمصالح الشعوب، فالنار والغضب هناك في البيت الأبيض، واللهب والحرائق هنا في الشرق الأوسط.

المصدر : الجزيرة