وسط تكتم وغموض.. نواكشوط تتنازل عن مطارها لشركة إماراتية
استفاق الموريتانيون قبل أيام على أحاديث عن تنازل حكومة بلادهم عن تسيير مطار أم التونسي في العاصمة نواكشوط -وهو المطار الدولي في البلاد- لصالح شركة إماراتية تابعة لإمارة أبو ظبي، لم يطل الانتظار كثيرا فقد أكدت الحكومة رسميا تنازلها عن المطار ضمن صفقة ما زال الكثير من تفاصيلها محل أخذ ورد وغموض وتكتم.
وبموجب الصفقة الجديدة التي أثارت ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي ستتولى شركة "آفرو بورت" (AFROPORT) تسيير مطار نواكشوط لـ25 سنة مقبلة.
استطاع الطرفان الموريتاني والإماراتي التكتم لشهور على الصفقة المثيرة للجدل، ولم يعلن عنها إلا قبل يومين على الرغم من أن التوقيع عليها تم قبل أسابيع عدة وفقا لتصريحات المسؤولين الموريتانيين.
وجاء الكشف عنها بعد نشر وكالة الأخبار الموريتانية تقريرا مفصلا تضمن مسارها وتفاصيلها والامتيازات التي حصلت عليها الشركة الإماراتية مقابل الصفقة، وتأثيراتها السلبية على الشركة الموريتانية التي كانت تتولى تسيير المطار، وآثارها السلبية على شركة "الموريتانية للطيران".
وأعادت هده الصفقة أسئلة عن العلاقة بين النظامين الموريتاني والإماراتي وحجم نفود أبو ظبي في موريتانيا، إضافة إلى المعايير الاقتصادية والسياسية التي بموجبها تنازلت نواكشوط عن تسيير أهم مطاراتها لصالح الشركة الإماراتية التابعة لإمارة أبو ظبي.
تفاصيل
تنص الصفقة على أن تتولى الشركة الإماراتية التسيير الكامل للمطار الموريتاني لمدة 25 سنة مع ما يترتب على ذلك من مكاسب وامتيازات، كما تبعد شركة مطارات موريتانيا عن تسيير المطار، وتلغي الامتيازات المالية الضخمة التي كانت تستفيدها شركة "الموريتانية للطيران" من خدمات "الهاندلينغ".
وقال وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد أجاي في مؤتمر صحفي برفقة وزيرة النقل آمال بنت مولود إن الشركة التي تسلمت مطار نواكشوط الدولي تملك الدولة الموريتانية نسبة 5%من أسهمها، وستحصل على نفس النسبة من أرباحها.
وذكر الوزير أن الاتفاقية بين الحكومة والمستثمر هي "اتفاقية استثمار أجنبي مباشر"، مشيرا إلى أن الاتفاقية تمنح أيضا للدولة الموريتانية "ملكية كافة المنشآت التي ستقوم بها مستقبلا".
غير أن الوزير لم يوضح حجم الاستثمار الذي ستقوم به الشركة في موريتانيا ولا رأس مالها، واكتفى بالقول "سيكون لهذه الشركة نظام ضريبي خاص سيقدم لمجلس الوزراء وللبرلمان للمصادقة عليه تدفع بموجبه 5% من رقم أعمالها سواء سجلت أرباحا أو خسائر".
وضمن تلك الفوائد أيضا إقامة منشآت سياحية وفنادق قرب المطار وتوفير عمالة وخدمات نوعية جاذبة، والعمل على أن ينافس المطار نظراءه في المنطقة نظرا للموقع الإستراتيجي للعاصمة نواكشوط.
ولا يبعد تسيير المطار عن إنشائه أيضا، وقد كان ضمن صفقة تجارية تنازلت بموجبها الحكومة الموريتانية عن أرض المطار القديم لصالح شركة خاصة حديثة النشأة مقابل بناء مطار جديد.
وبينما ترى الحكومة أن هذا النمط من الصفقات يخفف عليها أعباء الإنشاءات ويعود على الدولة بنفع اقتصادي وإعماري مهم يرى معارضون ونشطاء أنه أحد أبرز جوانب الفساد في ظل النظام الحالي.
وتعليقا على تلك الحالة قال أحد المدونين الموريتانيين إن "قدر مطار نواكشوط الغموض.. من صفقة الإنشاء إلى تسليمه للإماراتيين!".
وإذا كانت صفقة إنشاء المطار قد أثارت جدلا كبيرا بسبب ما تراه أطراف معارضة حالة فساد ومحسوبية شابت منح الصفقة فإن تسميته هي الأخرى أثارت جدلا واسعا، حيث اعتبر أنصار التسمية أنها تمثل وسام اعتراف لشهداء معركة أم التونسي التي قتل فيها جنود من جيش الاستعمار الفرنسي، في حين شن آخرون حملة معارضة للتسمية، مؤكدين أن "أم التونسي" لم تكن أكثر من معركة بين قبائل موريتانية متناحرة.
غموض وخسائر
وكانت وكالة الأخبار الموريتانية قد تحدثت في التقرير الذي كشفت فيه عن الصفقة قبل الإعلان الرسمي عنها عن مسار الصفقة قائلة إنها إنه في يوم 8 مارس/آذار الماضي أطاح مجلس الوزراء بالمدير العام لشركة مطارات موريتانيا دون الكشف عن أسباب إقالته، وطلب من خلفه يوم 20 مارس/آذار الماضي التوقيع على الصفقة بعد 12 يوما من تعيينه بعيدا عن الأضواء وفي حالة شديدة من التكتم تم في ظلها تغييب وزارة التجهيز والنقل الوصية على القطاع، كما أبعد عنها خبراء الشركة.
وقالت إن الدخول العملي في صفقة منح البوابة الجوية الوحيدة لموريتانيا تطلب حضور وفد إمارتي خفي وصل موريتانيا على متن طائرة خاصة منتصف مايو/أيار 2018، وعقد هذا الوفد "السري" لقاءات مع عدد من المسؤولين الموريتانيين تم التكتم على أسمائهم أيضا.
وأشارت إلى أن الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية) غطت زيارة الوفد الإماراتي إلا أنه كان لافتا عدم ذكرها أي اسم من أسماء أعضاء الوفد الإماراتي أو أسماء المسؤولين الموريتانيين الذين التقى بهم الوفد.
وتوقف تقرير الوكالة عند الأضرار التي ستسبب فيها الصفقة، حيث ستلحق أضرارا كبيرة بشركة مطارات موريتانيا عبر حرمانها من عوائد مالية كبيرة كانت تحصل عليها من شركات الطيران التي تستخدم مطار نواكشوط الدولي وتصل أضعاف نفقات الشركة، خصوصا تلك المتعلقة بالرواتب وتسيير مطارات الداخل، وذلك ما يضعها على طريق التفليس في مسار سلكته شركات رسمية عدة قبلها.
وأشارت إلى أن الشركة الجديدة استبعدت كليا عمال شركة مطارات موريتانيا في المطارات الداخلية، وذلك على الرغم من استحواذها -وفقا للصفقة- على عائدات مالية بعشرات الملايين من الأوقية كانت تحصل عليها الشركة الموريتانية.
تحت أضواء الإمارات
وما زالت قضية منح الصفقة تتفاعل على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من الإشادات الكبيرة بصفقة تسيير المطار من شخصيات سياسية ومدونين محسوبين على السلطة فإنها لاقت اعتراضا وتنديدا من شخصيات ومدونين وإعلاميين رأوا في الأمر تنازلا عن ركن مهم من أركان السيادة في موريتانيا قد يمهد لتنازلات أوسع، خصوصا في ظل حديث واسع عن تقدم المفاوضات بشأن تسليم ميناء نواكشوط -الذي يمثل رئة مهمة بالنسبة لموريتانيا وعدد من دول أفريقيا– لشركة أخرى ضمن صفقة يكتنفها الغموض وتثير جدلا واسعا.
وكتب النائب البرلماني المعارض محمد الأمين سيدي مولود في صفحته على فيسبوك "نهبوا الأرض ورهنوا الجو والبحر، ربع قرن في صفقات مظلمة مريبة!"، وكتب مغرد آخر "حبذا لو سلمتم الدولة إلى جماعة أخرى، بالتأكيد ستكون أفضل منكم آلاف المرات".
وذكّر مدنون بحادثة مدينة سقطرى اليمنية التي شكا سكانها مما وصفوه باحتلال إماراتي، وأعلن هؤلاء رفضهم تسليم بوابة الطيران الموريتاني إلى الإماراتيين، خصوصا أن الأمر قد يستغل لأغراض غير تجارية.