التصفيات الجسدية في مصر.. مفارقة وشكوك وتساؤلات

صورة مجمعة لعدد ممن تقول وزارة الداخلية إنها قتلتهم في تبادل إطلاق نار مؤخرا وتقول منظمات حقوقية إنه تم تصفيتهم جسديا
صورة أرشيفية لشباب قالت وزارة الداخلية إنها قتلتهم بتبادل إطلاق نار بينما تقول منظمات حقوقية إنهم تمت تصفيتهم جسديا (الجزيرة)

أعلنت وزارة الداخلية المصرية الأحد تصفية 19 مسلحا في اشتباك بمنطقة صحراوية في محافظة المنيا جنوب القاهرة، وقالت إن هؤلاء المسلحين هم من الخلية المنفذة لهجوم الجمعة على حافلة تقل مسيحيين، أسفر عن مقتل سبعة وإصابة 18 آخرين بمحافظة المنيا، وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الحادث.

وتعددت خلال الأعوام الماضية عمليات التصفية التي تُعلنها الشرطة في عدة محافظات، والتي بدأت في عهد وزير الداخلية السابق اللواء مجدي عبد الغفار.

ففي الأول من يوليو/تموز 2015، كانت أول عملية تصفية أثارت ضجة كبيرة، حيث أعلنت الشرطة تصفية تسعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين داخل شقة في مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة).

لكن خلال العام الماضي، تركزت عمليات التصفية في الصحراء الغربية بالصعيد، حيث تقول الشرطة إن مجموعات مسلحة تتخذ من هذه المنطقة مأوى للتدريب والاختباء والتواصل مع المجموعات المسلحة في ليبيا.

ففي 11 أبريل/نيسان 2017، أعلنت الشرطة عن تصفية سبعة مسلحين في صحراء أسيوط، وقالت إنهم ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية، وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أعلنت عن تصفية 13 مسلحا في مزرعة بطريق الواحة الخارجة غرب أسيوط.

وفي 27 يونيو/حزيران 2018 أعلنت الشرطة تصفية أربعة مسلحين في مركز الغنايم بأسيوط، وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلنت عن تصفية تسعة مسلحين في منطقة جبلية على طريق أسيوط سوهاج، وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلنت عن تصفية 13 مسلحا في مغارة بطريق أسيوط الفرافرة.

مفارقة
لكن اللافت في بيانات الشرطة المصرية هو عدم اعتقال أي مسلح أو إصابته رغم ما تمثله عملية الاعتقال من كنز معلومات للأمن، واللافت أيضا عدم وجود ضحايا في صفوف قوات الأمن على الرغم من الإعلان المتكرر أن الاشتباكات شهدت تبادلا كثيف لإطلاق النار بين الطرفين.

وهو ما دفع بيشوي جوزيف للتعليق على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية متسائلا: "لماذا لا توجد إصابات في الشرطة طالما كانت هناك اشتباكات؟ لماذا لم يسلم أي مسلح نفسه؟"، كما علق أحمد نبيل قائلا "لماذا لا نعتقلهم حتى نعرف ماذا يحدث ومن وراءهم؟".

هذه المفارقة دفعت النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي للمقارنة بين عمليات التصفيات المتكررة وبين اعتقال المطلوب الأول في مصر هشام عشماوي، في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على يد قوات موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا.

وتتهم السلطات المصرية ضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي بتجنيد عناصر من الجيش والشرطة وتنفيذ عدة عمليات كبرى، على غرار محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، وهجوم الفرافرة بالواحات البحرية الذي راح ضحيته 21 من قوات حرس الحدود، وعملية الواحات غربي البلاد والتي راح ضحيتها 16 شرطيا بينهم 11 ضابطا.

العمليات الكبرى المنسوبة لعشماوي -فضلا عن خلفيته العسكرية- دفعت نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي للتساؤل عن السبب وراء نجاح قوات حفتر -التي تُدربها القوات المصرية- في اعتقال أخطر المطلوبين، بينما تعلن السلطات المصرية دائما عن تصفية مسلحين هواة دون إصابات أو اعتقالات.

تشكيك
بدورهاُ تشكك منظمات حقوقية مصرية ودولية في عمليات التصفية التي تُعلنها الشرطة، وتقول إن بعض المختفين قسريا لمدة شهور كانوا ممن أعلنت الشرطة تصفيتهم في اشتباكات مسلحة.

كما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش -في بيان سابق حول حقوق الإنسان في مصر- إن "هناك عدة حوادث بدا أنها عمليات قتل خارج القضاء، شملت أشخاصا كانوا قد احتجزوا سابقا خلال إطلاق نار مُدبّر".

هذا التشكيك عند كل عملية تصفية، يدفع النشطاء لتداول مقطع فيديو أذاعته قناة مكملين الفضائية في أبريل/نيسان 2017، يُظهر قوات من الجيش المصري تطلق النار على بعض المعتقلين في سيناء.

وأظهر الفيديو قيام عناصر من الجيش بوضع أسلحة آلية إلى جوار الجثث، فيما يقوم شخص بالتقاط صور تم نشرها لاحقا باعتبارها صورا لمسلحين تمت تصفيتهم أثناء الاشتباكات مع قوات الأمن، وذلك في بيان رسمي للمتحدث باسم القوات المسلحة المصرية.

وأكدت منظمة العفو الدولية صحة الفيديو، وقالت إنها أجرت تحليلا له وتأكدت من صحته، معتبرة أنه يعطي لمحة عن الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها الجيش في شمال سيناء.

ما كشفه الفيديو، تناقلته المنظمات الحقوقية منذ ثلاث سنوات، حين كشفت عن تصفية طالب كلية الهندسة إسلام عطيتو الذي تم اقتياده في صيف 2015 من لجنة الامتحان أمام مرأى ومسمع جميع الطلبة، وبعد أقل من 48 ساعة نشرت صورته مقترنة ببيان قال إن عطيتو قتل خلال مهاجمة وكر إرهابي في صحراء القاهرة.

تساؤلات
ولا يقتصر الجدل المصاحب لعمليات التصفية الجسدية على عدم تمكن الشرطة من اعتقال أو إصابة المسلحين، بل ينتقل إلى التساؤل عن المفارقة بين سرعة الأجهزة الأمنية في تعقب المطلوبين وتصفيتهم، وبين عدم قدرتها على الحماية المسبقة التي تعتبر من أهم واجبات الأجهزة الأمنية.

عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي توقفوا عند ما ذكره بيان وزارة الداخلية حول حادثة المنيا الأخيرة، من سرعة التحرك وجمع المعلومات وصولا إلى الجناة وتصفيتهم، وتساءلوا إذا كانت الشرطة بهذه المهارة والكفاءة فلماذا لم تتحرك لمنع تكرار هذه الجرائم، خاصة أن الحادثة الأخيرة هي تكرار لحادثة العام الماضي من حيث الموقع وطريقة الهجوم.

وعلق هاني على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية قائلا: "تحركتم للأسف بعد الحادثة، لو كنتم على يقظة كان ممن الممكن الوصول للجناة ومنع وقوع ضحايا".

في حين تساءل مصطفى أبو السعد: لماذا لم تمشط الأجهزة الأمنية هذه المناطق النائية من قبل، ما دامت تملك الوسائل التقنية الحديثة كما ذكر البيان؟

وشككت مريم حنا في رواية الداخلية، وقالت "معنى أنكم استطعتم الوصول للجناة بهذه السرعة أنكم كنتم نياما قبلها، السرعة في الأداء وتكرار الحوادث يؤكد أن العملية فيلم".

المصدر : الجزيرة