خزائن الأرض سابقا.. مصر تستهلك فول بريطانيا وقمح روسيا وأرز الصين

A man holds wheat at the grain silos in Cairo, Egypt, October 4, 2017. Picture taken October 4, 2017. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
تقلص المحاصيل الزراعية في مصر أدى إلى تردي الوضع المعيشي للشرائح الهشة (رويترز)

الجزيرة نت-القاهرة

"القمح الليلة ليلة عيدُه.. يا ربْ تبارك وتزيدُه" هكذا تغنى "موسيقار الأجيال" المطرب والملحن المصري الراحل محمد عبد الوهاب بموسم حصاد القمح تعبيرا عن الفرح بالمحصول الذي يوفر غذاء المصريين ويعتبر مع القطن أهم محصول إستراتيجي للبلاد.

منذ فجر التاريخ ظلت مصر "سلة غذاء العالم" وقد وصفها القرآن الكريم بـ"خزائن الأرض"، وهو وصف يحلو للمصريين إطلاقه على "هبة النيل".

لكن حال "أم الدنيا" تبدل سوءا بعد حسن خلال العقود الماضية فتحولت تدريجيا إلى استيراد نحو 70% من غذائها، خاصة القمح.

وحاليا، تعتبر مصر المستورد الأول للقمح على مستوى العالم، وهو ما دفع المصريين للتساؤل طوال السنوات الماضية عن السبب وراء هذا التحول.

التدهور السريع في الزراعة -خاصة المحاصيل الإستراتيجية التي يعتمد عليها المصريون في غذائهم- دفع نقيب عام الفلاحين حسين أبو صدام إلى التحذير من عدم وجود سياسة زراعية واضحة بمصر، وانعدام وجود خطط مستقبلية لدى وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي للاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية.

وبنبرة حزينة قال نقيب الفلاحين "كثرة القرارات العشوائية التي تخلو من الدراسة الكافية كقرار تقليص المساحات المزروعة من الأرز بحجة توفير المياه والذي لم ينتج عنه أي توفير للمياه جعلت العالم يتسابق لإطعامنا، فباتت إنجلترا وفرنسا تزرعان الفول خصيصا للمصريين، وروسيا وأوكرانيا تزرعان لنا القمح، ونحن على موعد هذا العام لتذوق الأرز الصيني".

وأوضح في تصريحات صحفية الأربعاء أن استيراد الأرز الصيني جاء بعد تقليص المساحات التي كانت تزرع بالأرز المصري، متوقعا زيادة أسعاره إلى مستوى عال لا يتحمله المواطن البسيط.

‪مخازن الأغذية في مصر تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد من روسيا والصين ودول أخرى‬ (رويترز)
‪مخازن الأغذية في مصر تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد من روسيا والصين ودول أخرى‬ (رويترز)

في ذمة الله
حديث نقيب الفلاحين المصري يتوافق مع ما نشرته مجلة الأهرام- الزراعي الحكومية في 9 فبراير/شباط 2016 على صدر صفحتها الرئيسية تحت عنوان "القمح في ذمة الله.. وزيرا الزراعة والتموين يعلنان نهاية عصر زراعة المحصول في مصر".
 
انهيار زارعة القمح واستيراد البقوليات والأرز والسلع الغذائية الأساسية يتناقضان مع وعود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن النهوض بالزراعة والاكتفاء الذاتي في سنوات قليلة.

ففي حملته الانتخابية عام 2014 وعد السيسي المصريين بزراعة مليون ونصف مليون فدان لتضاف إلى الرقعة الزراعية المصرية التي تتناقص بشكل كبير بهدف فتح فرص عمل جديدة للقضاء على البطالة، والمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي لسد الفجوة الغذائية التي تعاني منها مصر لسنوات طوال.

وبعد عام ونصف من استلامه السلطة أطلق السيسي إشارة بدء المشروع في ديسمبر/كانون الأول 2015.

وفي مايو/أيار 2016 حصدت مصر أول محصول قمحي من المشروع، وذلك من منطقة سهل بركة بواحة الفرافرة في محافظة الوادي الجديد بعد أن استصلح الجيش نحو عشرة آلاف فدان.

وعن المساحة المتبقية أعلن السيسي تأسيس شركة تنمية الريف المصري الحكومية لتنفيذ وتسويق وإدارة المشروع ليتحول المشروع إلى محاولة لتسويق أراض صحراوية لمستثمرين في مجالات الاستصلاح الزراعي وللشباب الباحثين عن المشروعات الصغيرة.

لكن المشروع توقف عند هذا الحد دون إعلان متى يشاهد المصريون السيسي وهو يحصد القمح من جديد.

توقف المشروع لم يكن مفاجئا للخبراء، حيث أشار وقتها وزير الري الأسبق محمد نصر الدين علام إلى أن هناك أزمة ستواجه استمرارية المشروع تتمثل في نقص المياه الجوفية، خاصة أنه يعتمد على 20% على مياه نهر النيل و80% على المياه الجوفية.

وقال "لدي شك كبير في أن المياه هناك تكفي لري هذا المشروع في ظل مساحته الكبيرة ولمدة مئة عام، فالمياه الجوفية في صحراء مصر الغربية كلها لا تكفي لاستصلاح أكثر من مليون فدان بتكاليف ضخمة للغاية".

تضارب التقارير
بعدها، أعلن رئيس قطاع المياه الجوفية في وزارة الري سامح عطية صقر أن المياه الجوفية المتاحة في مصر كلها لا تكفي إلا لزراعة 26% ‎فقط من إجمالي المشروع، أي ما يقارب 390 ألف فدان من إجمالي مليون ونصف المليون.

وفي مايو/أيار 2017 شن رئيس شركة الريف المصري المسؤولة عن المشروع عاطر حنورة هجوما حادا على وزارة الري باعتبارها المسؤولة عن تقديم الدراسات الخاصة بالمياه التي تغذي المشروع.

وقال "هناك تضارب في التقارير الرسمية التي قدمتها وزارة الري بشأن إمكانيات المياه بمشروع المليون ونصف مليون فدان".

وخلال اجتماع لجنة الزراعة والري في مجلس النواب صرح حنورة "لدينا أوراق من وزارة الري تقول إن المياه تكفي وتزيد لزراعة المليون ونصف مليون فدان، لكن فوجئنا بنفس الجهة تؤكد أن المياه تكفي لزراعة 40% فقط، ثم أصبحت 26% فقط على لسان مسؤول قطاع المياه الجوفية بالوزارة خلال اجتماع لمجلس الوزراء مؤخرا".

وعلى الرغم من عدم تنفيذ مشروع 1.5 مليون فدان فإن السيسي فاجأ المصريين في يناير/كانون الثاني 2018 بمشروع زراعي جديد كان يتضمن الانتهاء من 220 ألف فدان نهاية يونيو/حزيران الماضي، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، فضلا عن مليون فدان أخرى يتم الانتهاء منها منتصف عام 2019، وهو ما لم تظهر بوادره حتى الآن.

المصدر : الجزيرة