وسط زوبعة تجديد الخطاب الديني.. الأزهر والإفتاء يستنكران المساواة في الميراث

الأزهر والإفتاء يرفضان تقليد تونس
الإعلام المصري انشغل مؤخرا بالسجال بين السيسي وشيخ الأزهر بشأن السنة النبوية وتجديد الخطاب الديني (مواقع إلكترونية)
الجزيرة نت-القاهرة

حسمت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية الجدل الإعلامي حول المساواة بين الرجال والنساء في الميراث، والذي اندلع على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام المصرية، على خلفية إقرار الحكومة التونسية مؤخرا قانون المساواة في الميراث.

وقالت هيئة كبار العلماء (أعلى هيئة في الأزهر) -في بيان صدر اليوم الاثنين- إنها تتصدى لهذه القضية "انطلاقا من المسؤولية الدينية التي اضطلع بها الأزهر الشريف منذُ أكثر من ألف عام إزاء قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وحرصا على بيان الحقائق الشرعية ناصعة أمام جماهير المسلمين في العالم كله".

وأضاف البيان "من تلك القضايا التي زاد فيها تجاوز المضللين بغير علم في ثوابت قطعية معلومة من الدين بالضرورة، ومن تقسيم القرآن الكريم المُحكَم للمواريث، خصوصا فيما يتعلق بنصيب المرأة فيه، والذي ورد في آيتين مُحكَمتين من كتاب الله المجيد في سورة النساء، وهو أمر تجاوزت فيه حملة التشنيع الجائرة على الشريعة كل حدود العقل والإنصاف".

وأوضح البيان أن الأزهر أكد قبل ذلك مرات عديدة أن هذا النوع من الأحكام لا يقبل الخوض فيه بخيالات جامحة وأُطروحات تصادم القواعد والمحكَمات، ولا تستند إلى علم صحيح، فهذا الخوض بالباطل من شأنه أن يستفز الجماهير المسلمة المتمسكة بدينها، ويفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى، ولا نتمناه لأحد أبدا.

وحذر الأزهر "المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذه الفتنة ومن دعاتها، رافضا رفضا قاطعا أي محاولة للمساس -من قريب أو بعيد- بعقائد المسلمين وأحكام شريعتهم، أو العبث بها".

مخالف للشريعة
من جانبه أكد مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام أن المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة أمر مخالف للشريعة الإسلامية وإجماع العلماء على مر العصور، فيما يتعلق بالنصوص التي فرضت استحقاق الرجل مثل حظ الانثيين، لكون تقسيم الميراث في هذه الحالات قد حُسِمَ بآيات قطعية الثبوت والدلالة.

وأوضح المفتي في بيان له اليوم الاثنين أنه لا اجتهاد في النصوص القطعية الدلالة والثبوت بدعوى تغيُّر السياق الثقافي الذي تعيشه الدول والمجتمعات الآن مثلما يدعي البعض، إذ تعد تلك النصوص من ثوابت الشريعة، مضيفا أن "الاجتهاد في مثل تلك الحالات يؤدي إلى زعزعة الثوابت التي أرساها الإسلام".

ولفت إلى أن الإسلام كان حريصا كل الحرص على مساواة الرجل بالمرأة في مجمل الحقوق والواجبات لا في كل تفصيلة، مشيرا إلى أن الشريعة بينت أن التمايز في أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة، وإنما هو راجع إلى حِكمٍ إلهية ومقاصد ربانية خفيت عن هؤلاء الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث في بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة على عدم كمال أهلية المرأة في الإسلام.

وتابع المفتي أن تلك الدعوى التي يطلقها البعض من حتمية مساواة المرأة بالرجل بزعم أن الإسلام يُورثُ مطلقا الذكر أكثر من الأنثى دعوى لا يُعتد بها وزعم باطل، فالمرأة في ديننا الحنيف لها أكثر من ثلاثين حالة في الميراث، ونجد الشرع الحنيف أعطاها في كثير من الأحيان أكثر مما أعطى الرجل.


الهلالي يثير الجدل مجددا
بيان دار الإفتاء يأتي بعد الجدل الكبير الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لمشروع القانون التونسي، ودعوات لتطبيقه في مصر، وهو ما رحب به أستاذ الفقه في جامعة الأزهر سعد الدين الهلالي قائلا إن "قرار تونس بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة صحيح فقها ولا يتعارض مع كلام الله".

وأضاف الهلالي -المعروف بآرائه الشاذة وقربه من النظام (سبق له تشبيه السيسي ووزير داخليته السابق محمد إبراهيم بالأنبياء)- أن "الميراث مسألة حقوق وليست واجبات مثل الصلاة والصوم، ومسألة الحقوق يكون للناس الحق في التعامل بها". وأشار في مداخلة هاتفية مع المذيع عمرو أديب -المقرب من النظام- إلى أن الفقيه تتغير فتاواه بتطور ثقافته مع مرور الوقت، متابعا "سنصل إلى ما وصلت إليه تونس بعد عشرين عاما من الآن".

ورغم أن المفتي السابق علي جمعة يتشابه مع الهلالي في قربه من السلطة الحالية في مصر، فإنه خرج ليؤكد أن المساواة في الميراث مخالفة للشريعة الإسلامية، وقال "حاشا أن تسير مصر على نهج تونس"، مضيفًا "ما هكذا يا سعد تورد الإبل.. هذا دين سنُسأل عنه يوم القيامة".

من جهتها، تبرأت جامعة الأزهر من تصريحات الهلالي، وقال المتحدث باسمها أحمد زارع إن الهلالي لا يمثل الجامعة في قليل أو كثير، بل يمثل شخصه، وما قاله يخالف نص القرآن ومنهج الأزهر، مشيرًا إلى أن مجلس الجامعة يبحث الموقف مما قاله الهلالي.

كما أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى تقريرا بعنوان "ميراث المرأة في الإسلام"، أكد فيه أن النصوص المتعلقة بعلم الميراث في الإسلام لا تقبل الاجتهاد أو التغيير، مضيفا أنه مما يثير الدهشة "أن نرى كثيرا من النساء في زماننا لا يستطعن الوصول إلى ميراثهن أو جزء منه، في حين تعلو صيحات مساواة المرأة بالرجل في الميراث".

وقال الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الدكتور عباس شومان "لقد علم الله أزلا أن ما يقال في شأن المواريث الآن سيقال، فجاءت الآيات الكريمة مُحكمة لم تترك مجالا لهذا العبث الذي يطلق عليه البعض تطورا فقهيا".

وتابع شومان على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "لم نسمع لا في المواريث ولا في غيرها أن حقوق الناس يجوز لغيرهم -من حكومات أو علماء- أن يتدخلوا فيها نيابة عنهم، فإن كان رب العزة لا يسقط حقوق العباد إلا بقبولهم إسقاطها، فكيف يكون للبشر التدخل في حقوق البشر التي بيّنها رب العزة بآيات محكمات".

وهاجم عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الدكتور محمود مهنا تصريحات الهلالي وقال إن "هذا إنكار للقرآن وللنص الواضح، فالله قال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)، أي أن الرجل يرث ضعف المرأة، وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة أمر خطير"، مضيفا في تصريحات صحفية أن "على ولاة الأمر أن يتدخلوا ليحاسبوه قانونا وشرعا، فالدستور ينص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي، ومخالفة نص واضح صريح جريمة، ولا بد شرعا أن يُستتاب عن قوله هذا".

رفض الأزهر لدعوات المساواة في الميراث بدأ العام الماضي عندما أثيرت القضية في تونس، وحينها ندد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بالفكرة ووصفها بأنها جامحة تستفز الجماهير المسلمة.

وأضاف الطيب في بيان رسمي أن "النصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معا فإنها لا تحتمل الاجتهاد، مثل آيات المواريث الواردة في القرآن الكريم، فمثل هذه الأحكام لا تقبل الخوض فيها بفكرة جامحة، أو أطروحة لا تستند إلى قواعد علم صحيح وتصادم القطعي من القواعد والنصوص، وتستفز الجماهير المسلمة المستمسكة بدينها، وتفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات المسلمة".

زوبعة تجديد الخطاب الديني

ويأتي الجدل حول المساواة في الميراث وسط حملة إعلامية ضد شيخ الأزهر بعد المبارزة الكلامية التي نشبت بينه وبين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن السنة النبوية، حيث دافع عنها الدكتور الطيب وهاجم منكريها، بينما رد السيسي متسائلا "هل من طالبوا بترك السنة والاكتفاء بالقرآن هم من أساؤوا للإسلام أكثر، أم أصحاب الفهم الخاطئ والمتطرف؟".

تعليق السيسي الأخير ومطالبته المستمرة بتجديد الخطاب الديني دون تحديد لهذا التجديد، فتح الباب أمام وسائل إعلام ونخب ثقافية ودينية للتباري في إرضاء السلطة بطرح رؤى وأفكار اعتبروها "تجديدية"، وهو ما يدفع إلى التساؤل: هل تصبح عاصفة تجديد الخطاب الديني بابا للمناصب العليا، أم تقتلع معها ثوابت دينية على غرار أحكام الميراث؟

المصدر : الجزيرة