نجمع القمامة يا فخامة الرئيس.. شباب مصر يرفضون اتهامهم بالكسل

شباب يعملون بمهنة دبع الجلود الشاقة – التاريخ 15-11-2018 – صور خاصة
العمل في دباغة الجلود أحب إلى الشباب المصري من البطالة (الجزيرة)

محمود صديق-القاهرة

تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا عن أن الكسل هو السبب وراء زيادة أوزان الشباب؛ إذ يعتمدون على ركوب "التكتوك" بدل المشي، على حد قوله.

هذا الكلام سبقته إليه وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج عندما قالت "ليست عندنا بطالة؛ عندنا كسل، والشاب يريد فور تخرجه أن يكون مديرا، ويرفض البدء بمهنة بسيطة".

هذه الصورة لا تختلف عند الإعلاميين الذين يرون في جلوس الشباب على المقاهي دلالة قوية على الكسل، بل حتى رجال الدين لم يذهبوا بعيدا عن تلك الرؤية؛ فقد وجّه الشيخ الأزهري رمضان عبد المعز رسالة للشباب خلال برنامج تلفزيوني حثهم فيها على نبذ الكسل، قائلا إن فرص العمل متوفرة في الوطن، وأن من يريد العمل سيحصل عليه.

حتى كبار السن من المصريين يرون الشباب كسولا؛ ففي انتخابات الرئاسة 2018 لاحظت مسنة انحسار الإقبال على صناديق الاقتراع، فصرخت موجهة حديثها للشباب "انزلوا انتخبوا. تخلصوا من الكسل لكي تحصلوا على فرص العمل".

ولكن، ما مدى صحة تلك الصورة، وهل ينتظر الشباب وظائف بعينها، وغير ذلك لا يلتفتون إليه، أم أن الواقع مخالف لهذه الانطباعات؟

الجزيرة نت نزلت للشارع المصري؛ محاولة تلمس الصورة الحقيقية، بعيدا عن أي انطباعات مسبقة.

أعمال شاقة وخطرة
يوضح الواقع أن هناك كثيرا من الشباب من حملة الشهادات الدراسية المتوسطة وحتى العليا لم ينتظروا وظيفة حكومية، وذهبوا إلى سوق العمل منخرطين في مهن شاقة، فمنهم من يعمل حمالا للبضائع، وبينهم من يعمل في المسالخ.

وهناك شباب يطلق عليهم محليا "الفواعلية"، يعملون في مهنة البناء الشاقة، فيحملون الطوب والإسمنت، ويصعدون به على أقدامهم إلى أدوار عالية، وتجدهم يجلسون في الشارع بأماكن معروفة لأيام -وربما أسابيع- انتظارا لفرصة عمل قد لا تدوم أكثر من ساعات أو عدة أيام على أقصى تقدير.

‪جمع القمامة يعكس استعداد الشباب المصري للعمل في مختلف المجالات‬ (الجزيرة)
‪جمع القمامة يعكس استعداد الشباب المصري للعمل في مختلف المجالات‬ (الجزيرة)

ويقف عشرات الشباب من عمال مدابغ الجلود ساعات طويلة على أقدامهم مقابل أجر مادي بسيط لا يتعدى مئة جنيه يوميا (نحو خمسة دولارات ونصف)، رغم الأضرار والمخاطر المحيطة بهم كل لحظة.

ويقول صالح (26 عاما) إنه خريج كلية آداب، وبعد بحث عن شغل قارب العام وجد أخيرا فرصة للعمل في المدابغ، ولم يتردد في قبولها، رغم ما سمعه عن مخاطر الإصابة بالأمراض الصدرية وهشاشة العظام، نتيجة استنشاق أبخرة المواد الكيميائية المستخدمة في الدباغة.

ويضيف أن كثيرا من الشباب العامل بالمدابغ من حملة الشهادات العليا والمتوسطة، أعياهم البحث عن عمل يتوافق مع مؤهلاتهم الدراسية، وحين وجدوا عملا متاحا -على خطورته- لم يترددوا في قبوله خوفا من ضياع الفرصة، ووقوعهم في براثن البطالة.

وأشار زميله عدلي (31 عاما) إلى أنه رأى وسمع المآسي التي يتعرض لها عمال أصيبوا بأزمات تنفسية أثناء العمل وسقطوا ضحايا لأمراض صدرية، فينصحهم الأطباء بترك العمل نهائيا، لكنهم يخالفون تلك النصائح، ويعودون للعمل في مورد الرزق الوحيد لعائلاتهم، "وأغلبهم يصابون بالسرطان في النهاية".

أشغال متدنية
وتحت ضغط الحاجة، وندرة فرص العمل؛ لجأ بعض الشباب إلى مهن يعتبرها العرف الاجتماعي متدنية مثل جمع القمامة وأعمال النظافة ومسح الأحذية، غير عابئين بنظرة المجتمع.

تلك النظرة على قسوتها تتراجع أمام قسوة الجوع، حسب الشاب الثلاثيني حامد الذي جاء من إحدى محافظات الصعيد باحثا عن عمل، واضطر للعمل ماسح أحذية.

‪الشباب المصري يحمل البضائع وأعباء البطالة والخيبة من المؤهلات العلمية‬ (الجزيرة)
‪الشباب المصري يحمل البضائع وأعباء البطالة والخيبة من المؤهلات العلمية‬ (الجزيرة)

الشاب الذي رفض التصوير يجلس بصندوق مسح الأحذية على ناصية أحد الشوارع الراقية الشهيرة بمنطقة مدينة نصر، ويشير إلى ملابسه قائلا: كما ترى أنا أحرص على ارتداء ملابس كأنني أعمل بأحد المكاتب المكيفة، كي أشعر بأنه لا فرق بيني وبين الزبون، وأحاول أن أقول للناس إنها مهنة شريفة كأي مهنة أخرى.

أما عامل النظافة بمحافظة الجيزة عبد المجيد، فيؤكد أنه وزملاءه يعملون بشكل يومي، وكثير منهم غير معينين، وبدون أي تأمينات اجتماعية.

ويقول إن راتب العامل الشهري لا يزيد على 1200 جنيه (نحو 67 دولارا)، ويضطر بعضهم للعمل في يوم إجازته حتى يحصل على حافز انتظام لا يتعدى مئتي جنيه شهريا.

ويروي عبد الرحمن -طالب بكلية التجارة- إنه حاول التغلب على قلة فرص العمل المتاحة بابتكار فكرة نجحت في اجتذاب زبائن، حيث استغل فيها غرام المصريين بشرب القهوة، فأتى بعربة خشبية صغيرة، ووضع فوقها "سبرتاية" (عبارة عن موقد بدائي يعمل بالكحول الأحمر الذي يطلق عليه المصريون "السبرتو"، ومنها اشتق اسم الموقد الذي ينضج القهوة على نار هادئة فتخرج بمذاق خاص يعشقه المصريون).

وفي أحد الطرق المتفرعة من شارع فيصل بالجيزة، وقف عبد الرحمن مع عدد من زملائه يلبون طلبات الزبائن، الذين أعجبوا بالفكرة فأقبلوا عليها، وأسهموا في نجاح المشروع.

ويعرب عبد الرحمن عن أمله في حجز محل له بأحد المحلات الكبرى، ويرى أن ذلك بمثابة انطلاقة كبرى للمشروع، وخطوة كبيرة ليصبح اسم مشروعه "السبرتاية" علامة تجارية مثلما حدث مع مشروعات بدأت بطريقة مشابهة، وأصبحت الآن علامات مسجلة.

وفي فكرة مقاربة، ابتكر شاب جامعي مشروعا لعمل القهوة على الفحم، ولكن على دراجة هوائية، ويقف في ميدان التحرير، ويتجول بها من مكان لآخر.

وأكد الشاب الثلاثيني أنه يعرف آخرين نفذوا أفكارا مشابهة ولاقت إقبالا كبيرا، مؤكدا أنه لا يعيب الشاب إلا الجلوس في منزله منتظرا مصروف أبيه.

جدير بالذكر أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قدّر في أغسطس/آب الماضي عدد الشباب (الفئة العمرية من 18-29 عاما) في مصر بـ20.2 مليون نسمة، بنسبة تصل إلى 21% من إجمالي عدد السكان، ونحو 17% منهم حاصلون على مؤهل جامعي فأعلى، في حين وصلت نسبة الأميين وسط الشباب إلى 16%.

وبلغ معدل البطالة بين الشباب الحاصلين على مؤهـل جامعي فأعلى 38.3% مقابل 30.7% للحاصلين على مؤهل متوسط فني، حسب بيانات مسح وزارة القوى العاملة عام 2017، وبلغ عدد الأسـر التي يعولها شباب نحو 2.9 مليون أسرة بنسبة 12.3% من إجمالي الأسـر المصرية.

المصدر : الجزيرة