توطين 8 ملايين مصري لتنمية سيناء.. اقتصاد أم سياسة؟

An Egyptian policeman gestures from an observation tower is seen from the Israeli side of the border with Egypt's Sinai peninsula, in Israel's Negev Desert February 10, 2016. REUTERS/Amir Cohen
الوعود الحكومية لتنمية سيناء تكررت لكنها بقيت حبرا على ورق (رويترز)

محمد سيف الدين-القاهرة

عادة يعود الحديث عن تنمية محتملة لشبه جزيرة سيناء للواجهة، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الذي شهد انتصار مصر على إسرائيل عام 1973.

آخر حديث من هذا النوع كان على لسان رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي قال إن مصر تخطط لتوطين 8 ملايين مصري في سيناء، وتنشئ مشروعات تصل تكلفتها إلى 15.4 مليار دولار حتى عام 2022.

وحسب مصادر رسمية ستتم عملية التوطين المفترضة من خلال إنشاء خمس قرى بمنطقتي سهل الطينة والقنطرة على مساحة 400 ألف فدان، والتي تتبع إداريا محافظتي بورسعيد والإسماعيلية لكنها تقع جغرافيا في شبه جزيرة سيناء على الضفة الشرقية لقناة السويس.

وعن جدوى الخطة، يرى الصحفي المتخصص في الشأن السيناوي أبو الفاتح الأخرسي أن الأمر لا يتجاوز الاستهلاك المحلي أو الدعاية السياسية للنظام المصري.

وتساءل "كيف يعقل أن يتحدث مسؤول مصري عن عملية توطين 8 ملايين مصري في سيناء، بينما أهالي شمال سيناء يهجرون قسرا"؟

الأخرسي: خطة التوطين مجرد دعاية سياسية للنظام (الجزيرة)
الأخرسي: خطة التوطين مجرد دعاية سياسية للنظام (الجزيرة)

هدم وإتلاف
ورصدت منظمة هيومن رايتس ووتش منذ إطلاق ما وصف بـ"العملية الشاملة" في 9 فبراير/شباط 2018، قيام الجيش المصري بتوسيع نطاق أعمال هدم المنازل والبنايات التجارية وإتلاف الأراضي الزراعية شمال المحافظة.

وقالت المنظمة في بيان صدر في مايو/أيار الماضي إن "أعمال الهدم طالت مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية وما لا يقل عن 3000 بيت وبناية تجارية، فضلا عن 600 بناية، وهي أكبر حملة من نوعها منذ بدأ الجيش رسميا أعمال الإخلاء في 2014".

ويرى مرزوق اليماني، وهو أحد مشايخ قبائل البياضية في سيناء، أن تنمية وتطوير سيناء يعد "جزءا أساسيا من خطة الدولة للقضاء على الإرهاب".

وأضاف أن خطوة التوطين تأتي من منطلق التزام الدولة بمسؤولياتها تجاه أبناء سيناء الذين وعدتهم بالتنمية.

من جانبه، لم يستبعد يحيي عقيل -النائب السابق بمجلس الشعب المصري عن محافظة شمال سيناء وأحد رموز قبيلة البياضية- أن يكون تصريح رئيس الوزراء المصري مرتبطا بـ"صفقة القرن"، قائلا "لو أرادت مصر حقا تنمية سيناء لفكت الحصار المفروض عليها منذ خمس سنوات، وسمحت بدخول مواد البناء ومولدات الكهرباء، والبضائع بشتى أصنافها".

ويتوقع عقيل أن يكون المستهدف من وراء هذه الخطة توطين فلسطينيي الشتات البالغ عددهم ما بين تسعة ملايين و11 مليونا.

عقيل: خطة التنمية قد تكون حقيقة لكنها تحمل في طياتها قدرا كبيرا من الخداع (الجزيرة)
عقيل: خطة التنمية قد تكون حقيقة لكنها تحمل في طياتها قدرا كبيرا من الخداع (الجزيرة)

حقيقة وخداع
وألمح النائب السابق إلى أن "الأمر قد يكون فعلا حقيقة، لكنه يحمل في طياته قدرا كبيرا من الخداع"، مشيرا إلى أن تصريح رئيس الوزراء قد يقصد به المشروعات التي تقوم بها الدولة في شرق قناة السويس، والتي تقع جغرافيا في شبه جزيرة سيناء، ولكنها إداريا ضمن نطاق محافظتي بورسعيد والإسماعيلية.

ومن تلك المشروعات "المدينة المليونية" التي تضم عدة مشروعات سكنية شرق مدينة بورسعيد، التي دشنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس/آذار الماضي.

ويرى البرلماني السابق أن النظام لو كان يسعى لتنمية سيناء فعلا لكان "أولى به أن يسهل عملية تمليك أبناء أرض الفيروز لأراضيهم، وإلغاء كل الإجراءات التعجيزية"، ومنها إثبات مصريتهم لامتلاك حق تملك الأراضي والعقارات.

حجم ميزانية المشروعات المزمع إقامتها في سيناء دفع خبراء اقتصاد للتساؤل عن مصادر التمويل، خاصة في ظل الأزمة المالية التي تشهدها البلاد بسبب ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة وارتفاع فوائد الدين.

وفي يناير/كانون الثاني 2017 حصلت مصر على قرض سعودي لتنمية سيناء من "الصندوق السعودي للتنمية" بقيمة 1.5 مليار دولار، كما تواصلت وزيرة الاستثمار في يوليو/تموز الماضي مع البنك الدولي لاقتراض مليار دولار بغرض "تنمية سيناء".

الجيش المصري يخوض حربا مستمرة على
الجيش المصري يخوض حربا مستمرة على "الجماعات التكفيرية" في شبه جزيرة سيناء (مواقع التواصل الاجتماعي)

يذكر أن طموحات تنمية شبه جزيرة سيناء بدأت منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وبالتحديد عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ولم تتخذ خطوات لتنفيذها، حتى جاء احتلالها على يد إسرائيل في عام 1967.

ومع استرداد أجزاء من سيناء في عهد الرئيس أنور السادات إثر حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، أحدث ما يسمى بـ"ورقة أكتوبر"، وأعلن إنشاء الجهاز القومي لتعمير وتنمية سيناء، غير أن المشروع تعثر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 1978.

الأمر نفسه تكرر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي طرح من جديد مشروع تنمية سيناء وخصص له 75 مليار جنيه مصري، إلا أن سيناء ظلت مهملة. وفي عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي صدر قرار بتشكيل مجلس إدارة الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء في أبريل/نيسان 2013، إلا أن القرار لم ينفذ بسبب الانقلاب العسكري بعد 3 أشهر من صدور القرار.

المصدر : الجزيرة