مقتل خاشقجي.. الكذبات الخمس في الرواية السعودية

Placards can be seen outside the embassy as people protest against the killing of journalist Jamal Khashoggi in Turkey outside the Saudi Arabian Embassy in London, Britain, October 26 2018. REUTERS/Simon Dawson
لافتات تضامن مع خاشقجي أمام السفارة البريطانية في لندن (رويترز)

وفي اليوم الثالث، خرج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حوار مع وكالة  بلومبيرغ لينفي أية صلة لبلاده بالموضوع، وقدم رواية أثبتت الأيام كذبها، حيث قال إن "خاشقجي غادر القنصلية بعد عدة دقائق أو ساعة من دخوله لها".

وبدا ولي العهد السعودي واثقا مما يقول حد دعوته الأتراك لتفتيش قنصلية بلاده، وصرّح قائلا "نحن مستعدون للترحيب بالحكومة التركية للدخول وتفتيش القنصلية"، التي تعد منطقة خاضعة لسيادة السعودية.

ظلت أبواب القنصلية السعودية في إسطنبول مغلقة، فيما كاميرات وسائل الإعلام جاثمة عندها من كل جانب. وأمام هذا الضغط الإعلامي وفي محاولة لتأكيد البراءة ونفي المسؤولية وإضفاء الصدقية على "رواية الخروج"، فتحت القنصلية السعودية بإسطنبول في 6 أكتوبر/تشرين الثاني مقرها لوكالة رويترز، في محاولة لتظهر أن خاشقجي -الذي اختفى قبل خمسة أيام- ليس داخلها.

وتجوّلت رويترز في المبنى المؤلف من ستة طوابق، وفتح لها القنصل السعودي محمد العتيبي خِزانات الملفات وأزاح الألواح الخشبية التي تغطي وحدات تكييف الهواء، ولسانه حاله يقول "شاهدوا لا يوجد خاشقجي هنا".

إلا أن السلطات السعودية تلقت صفعة قوية -هي الأولى في القضية- حينما نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أتراك أن "المواطن السعودي جمال خاشقجي قد قُتل في القنصلية السعودية في إسطنبول"، مما صعب على الرياض الاستمرار في رواية النفي.

الكذبة الثانية: الكاميرات لا تعمل
طُرحت تساؤلات عديدة بشأن الرواية السعودية التي أفادت بأن خاشقجي خرج برجليه من القنصلية، وشككت وسائل الإعلام -كما العواصم الغربية- في هذا الخروج، وطالبوا الرياض بدليل يواجه صورة خاشقجي التي نشرتها وسائل الإعلام التركية والعالمية وهو يدخل مبنى القنصلية.

في هذه الأثناء، خرج القنصل السعودي في حواره مع رويترز وهو يقدم للعالم معلومة سرعان ما قوبلت باستهزاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فكاميرات المراقبة الأمنية في السفارة تقوم بتصوير حي، يتم بموجبه متابعة الحالة الأمنية بشكل فوري، قبل أن يضيف القنصل أن تلك الكاميرات لا تحتفظ بالصور ولذلك لا يمكن إثبات مغادرته.

الكذبة الثالثة: خاشقجي "يخرج"
سعى فريق الإعدام إلى رسم سيناريو متكامل للجريمة حينما تقمص أحد أفراده دور الصحفي القتيل. ففي 22 أكتوبر/تشرين الثاني، نشرت شبكة "سي أن أن" الأميركية مقاطع مصورة تظهر أحد المشتبه بهم الـ15 في قضية خاشقجي، وهو يرتدي ملابس الضحية ويخرج من الباب الخلفي للقنصلية السعودية بإسطنبول.

المقاطع المصورة التي التقطتها كاميرات مراقبة خارج مبنى القنصلية، كشفت أن الرجل الظاهر في المقاطع المصورة هو المشتبه به مصطفى المدني، الذي يقول محققون إنه من أعضاء "كتيبة القتل التي أرسلت (من الرياض)".

وبحسب تلك المقاطع، ظهر "المدني" -الذي يشبه خاشقجي في الطول والبنية الجسدية- وهو يدخل القنصلية السعودية من بابها الأمامي قبل نحو أربع ساعات من خروجه من بابها الخلفي، وهو يرتدى ملابس خاشقجي في محاولة لتجسيد دور الأخير والتستر على جريمة القتل.

الكذبة الرابعة: وفاة بشجار
بعد 17 يوما من الإنكار، أعلنت الرياض يوم السبت 20 أكتوبر/تشرين الثاني أنّ خاشقجي قُتل في قنصليتها، تكذيبا لرواياتها السابقة، لكنها قدمت في المقابل رواية جديدة تقول إن قتله لم يكن متعمدا بل كان بالخطأ عند وقوع شجار و"اشتباك بالأيدي" مع عدد من الأشخاص داخلها، مشيرة إلى أنها لا تعرف مكان الجثة.

وجاء التأكيد السعودي قبيل الفجر عبر وكالة الأنباء السعودية "واس" التي نقلت عن النيابة العامة إعلانها في بيان أنّ التحقيقات الأولية أظهرت حصول "شجار" أدى إلى وفاة الصحفي السعودي.

وتضيف الرواية التي تأخرت كثيرا أنه "لم تصدر أوامر بقتل خاشقجي أو خطفه"، ولكن هناك أمر دائم من رئاسة المخابرات بإعادة المعارضين للمملكة، بيد أن الأوامر "فُسّرت بشكل عنيف"، وأن التعليمات التالية "كانت غير محددة بشكل أكبر"، وتابع البيان أنّ هؤلاء حاولوا "التكتّم على ما حدث والتغطية على ذلك".

وكما جرت العادة منذ اليوم الأول للجريمة، فقد جرت الرياح بما لا تشتهيه الرياض، وجاء تكذيب "رواية الشجار" من النائب العام السعودي نفسه الذي قال -بعد إجرائه اتصالات مع الجانب التركي- إن المشتبه فيهم بقتل جمال خاشقجي أقدموا على فعلتهم "بنية مسبقة".

‪متظاهرون بريطانيون يلبسون أقنعة لمسؤولين سعوديين يتهمونهم بقتل جمال خاشقجي‬ (رويترز)
‪متظاهرون بريطانيون يلبسون أقنعة لمسؤولين سعوديين يتهمونهم بقتل جمال خاشقجي‬ (رويترز)

الكذبة الخامسة: دون علم السلطات
حرصت الرياض منذ الإقرار بجريمة القتل على إبعاد الشبهات على ولي العهد، وكررت -كما وسائل إعلامها- رواية مفادها أن العملية لم تجر بأوامر من السلطات العليا، كما لم يتم إبلاغ الأمير محمد بن سلمان بها.

إلا أن هذه الرواية نالت هي الأخرى حظها من التكذيب. فوفق الأجهزة الأمنية التركية، أجرى فريق الاغتيال 19 اتصالا هاتفيا بمسؤولين في الرياض يوم تصفية الصحفي السعودي صاحب مقالات الرأي في صحيفة "واشنطن بوست".

كما تمكن ناشطون وصحفيون من التعرف على بعض أعضاء فريق الإعدام من خلال البحث في منصات التوصل، وتبين أن بعضهم من الدائرة الأمنية المحيطة بمحمد بن سلمان.

ويدعم ذلك، ما كتبه ياسين أقطاي أحد مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في صحيفة "يني شفق"، من أن المسؤول الأمني السعودي ماهر عبد العزيز مطرب -الذي يوصف بأنه منسق عملية قتل خاشقجي- اتصل ببدر العساكر مدير مكتب محمد بن سلمان "أربع مرات بعد الجريمة"، بينها مرة على الأقل من مكتب القنصل.

والمطرب هو من الدائرة المقربة لولي العهد السعودي، حيث رافقه في جولات خارجية عدة إلى أوروبا والولايات المتحدة.

ومن الرياض أشرف على عملية الاغتيال -بحسب المصادر التركية- المستشار في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، الذي قالت وكالة رويترز إنه تواصل مع فريق الإعدام عبر سكايب، ولاحقا أعفي الرجل -الذي يوصف بأنه الساعد الأيمن لولي العهد- من منصبه.

الأكاذيب المتتالية
وفي ظل التسريبات الإعلامية المتتالية التي كشفت بشكل متسلسل تفاصيل مروعة حول القضية، باتت الرواية السعودية كلها موضع تشكيك وتساؤلات، لا سيما من الغربيين.

وقد استهجنت عواصم العالم تناقض الروايات السعودية طوال الأيام الماضية وما تضمنته من أكاذيب، وهو ما دعا الرئيس الأميركي للقول إنه "غير راض" عن توضيحات الرياض، ثم استنكر -بتصريح نشرته واشنطن بوست- "الكذب والخداع السعودي".

وتعليقا على الموضوع، قال الباحث في جامعة "رايس" كريستيان أولريشسن لوكالة الأنباء الفرنسية إنّ "كل رواية يضعها السعوديون لشرح ما حدث لخاشقجي تأتي بقدر أقلّ من المصداقية، خاصّة أنّ السعوديين لا يزالون غير قادرين أو غير راغبين في إظهار دليل واحد -أو جثة- يمكنها تقديم إجابة نهائية بطريقة أو بأخرى".

أما ناشر صحيفة واشنطن بوست ومديرها العام فريد رايان، فقد نشر بيانا على حسابه في "تويتر" جاء فيه أن السعودية تقدم بشكل متكرر وشائن كذبة وراء أخرى، منذ اختفاء جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول".

رواية الجثة.. كاذبة أم صادقة؟
وفي انتظار تكشف الحقيقة كاملة، لا تزال جثة الصحفي السعودي لغزا محيرا يثير الكثير من التساؤلات، طرح بعضها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي قال خلال مؤتمر صحفي "لا تزال هناك أسئلة بحاجة لأجوبة"، وطالب السعوديين بالإجابة عنها، مضيفا "أين (الجثة)؟ لقد أكّدوا أنهم فعلوها، لكن لماذا لا يقولون (أين)" الجثة؟

الرواية الأرجح -بحسب تصريحات مسؤولين أتراك- هي أن فريق الإعدام السعودي المكون من 15 شخصا، قطع جثة خاشقجي وبادر إلى إخفائها.

ومع بقاء سؤال الجثة معلقا، قدمت السلطات السعودية رواية جديدة مفادها أن الفريق الأمني سلمها إلى "متعاون محلي"، لم تكشف عن هويته حتى الآن.

المصدر : الجزيرة + وكالات