غزل سعودي روسي على "أشلاء" خاشقجي

midan - بوتين وبن سلمان
محمد بن سلمان قال باجتماع مع رجال أعمال روس إن الرياض تعلم الآن من هم أصدقاؤها وأعداؤها (رويترز)

الجزيرة نت-الدوحة

في ظل الضغوطات الغربية على السعودية إثر مقتل مواطنها الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تبادل الروس والسعوديون الغزل من طرف خفي، الأمر الذي رآه مراقبون محاولة روسية لاستثمار الأزمة، وتلويح سعودي بتخويف الغرب.
 
فمنذ اندلاع قضية مقتل خاشقجي، أرسل الروس رسائل تضامنية إلى السعودية، فقد جاء أول تعليق روسي على قضية مقتل خاشقجي من الرئيس فلاديمير بوتين حين قال "من الضروري انتظار نتائج التحقيق قبل تخريب العلاقات مع المملكة السعودية". وأضاف "لا يمكننا إفساد العلاقة مع السعودية ما لم تكن لدينا حقائق ملموسة".

بعد ذلك صرح المتحدث باسم الكرملين (القصر الرئاسي الروسي) ديمتري بيسكوف بأن بلاده سمعت موقف الرياض الرسمي بأن "العائلة المالكة لم تكن متورطة في حادث قتل الصحفي، والأمر يتعلق الآن بالمحققين" مضيفا خلال مؤتمر عقده مع الصحفيين "أخذنا ذلك في الحسبان" في إشارة منه لتصديق الرواية الرسمية السعودية.

وفي نأي منه عن ممارسة الضغوط التي تمارسها الدول الغربية، قال بيسكوف في تصريحات للقناة التلفزيونية الروسية الأولى "لا أعتقد أنه يجدر التدخل بطريقة أو بأخرى في الوضع بشأن الصحفي السعودي.. التعاون القائم بين أجهزة التحقيق التركية والدبلوماسيين السعوديين بالطبع مصدر ارتياحنا، نحن نعو ل على أن الوضع سوف يحل من دون اتهامات جوفاء، وفي الإطار القانوني".

وكان لافتا مشاركة رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديميترييف بالجلسة الأولى لمؤتمر مستقبل الاستثمار الذي بدأت جلساته الثلاثاء الماضي في العاصمة السعودية الرياض.

هذا المؤتمر كانت تعول عليه السعودية لجذب استثمارات الغرب وتسويق إصلاحاتها الاقتصادية والاجتماعية هناك، غير أنها منيت بخيبة أمل حين أعلن مسؤولون غربيون ومديرون تنفيذيون لشركات عالمية الانسحاب من المؤتمر على خلفية مقتل خاشقجي.

‪‬ ديميترييف رئيس صندوق الاستثمار الروسي  كان ضمن ضمن المتحدثين بأولى جلسات مؤتمر الاستثمار بالرياض
‪‬ ديميترييف رئيس صندوق الاستثمار الروسي كان ضمن ضمن المتحدثين بأولى جلسات مؤتمر الاستثمار بالرياض

وقد استغلت روسيا هذه الخيبة فأرسل صندوق الاستثمار المباشر الروسي إلى الرياض وفدا كبيرا ضم ثلاثين شخصا بينهم مديرون تنفيذيون إلى جانب رئيس صندوق الاستثمار، كما أرسلت -دعما للمؤتمر- لوحات لرسامها الشهير فاسيلي كاندينسكي كي تعرض في منتدى "دافوس الصحراء".

إشارات سعودية
وفي رسالة سعودية لمن يهمه الأمر من الغربيين، عقد ولي العهد محمد بن سلمان اجتماعا مع رجال أعمال روس دعاهم خلاله للانضمام إلى مشروع رؤية 2030 الذي تسعى من خلاله المملكة إلى تقليل الاعتماد على النفط.

محمد بن سلمان الذي اشتكى لجاريد كوشنر (صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب) من انقلاب الغرب عليه عقب مقتل خاشقجي، بعث برسالة عبر ذلك الاجتماع قال فيها إن الرياض تعلم الآن من هم أصدقاؤها ومن هم أعداؤها، وإنه شجع الشركات الروسية على الاستثمار ببلاده.

ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن ديميترييف أن ولي العهد "مؤمن بأن روسيا لديها خبرات وتقنيات فريدة من شأنها أن تساعد السعودية على تنفيذ هذا المشروع الطموح".

يأتي ذلك بعد نحو عشرة أيام من نشر تركي الدخيل مدير قناة العربية المقرب من دوائر صنع القرار السعودي مقالا يوضح فيه "ما يدور في أروقة اتخاذ القرار السعودي" وجاء فيه أنه في حال فرض عقوبات غربية على بلاده فستتوجه السعودية إلى "خيارات أخرى، قالها الرئيس ترامب بنفسه قبل أيام بأن روسيا والصين بديلتان جاهزتان لتلبية احتياجات الرياض العسكرية وغيرها".

وأضاف الدخيل أنه لا يستبعد في هذه الحالة إنشاء قاعدة عسكرية روسية في تبوك شمالي غربي المملكة "في المنطقة الساخنة لمربع سوريا وإسرائيل ولبنان والعراق".

خاشقجي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مما تسبب في ردود فعل غربية غاضبة
خاشقجي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مما تسبب في ردود فعل غربية غاضبة

المصالح الروسية
روسيا -التي لم تتردد في دخول الحرب السورية لوضع قدم لها بالمنطقة تستطيع من خلالها النفاذ إلى مياه البحر الأبيض المتوسط الإستراتيجية- لن تتردد في إيجاد مدخل لها يضمن لها سيطرة مستقبلية أو حتى النفوذ داخل الخليج العربي ومنه إلى البحر العربي والمحيط الهندي.

تاريخيا، لم تكن المصالح أو المطامع الروسية بالخليج جديدة، بل ترجع إلى قرون مضت خاصة أواخر القرن الـ 19 عندما كانت روسيا القيصرية إمبراطورية كبرى ممتدة من آسيا إلى أوروبا، وكانت حينها تبحث عن منافذ إستراتيجية تربطها بالمياه الدافئة كالمحيط الهندي عوضا عن البحار المتجمدة التي تحيطها.

وقد عقدت تحالفات حاولت من خلالها مد سكك حديدية تربط الخليج العربي بالبحر المتوسط عرفت بمشروع كونت فلاديمير كينست، لكن المشروع فشل حين واجه منافسة حادة من الإمبراطورية البريطانية التي عقدت اتفاقيات مع مشايخ الخليج امتنع الأخيرون على ضوئها عن بيع أو رهن أو تأجير أي جزء من أراضيها لأي دولة ما عدا بريطانيا العظمى آنذاك.

التوجه شرقا
ولكن هل تستطيع السعودية فعلا التوجه شرقا إذا ما أرادت؟ بنظرة سريعة إلى العلاقات الدبلوماسية مع الغرب خاصة الولايات المتحدة نجد أن البلدين أقاما علاقتهما عام 1940، ومنذ ذلك الحين ورغم الخلافات التي مرت بعلاقاتهما فإنهما ظلا حليفين بل وترسخ تحالفهما أكثر.

تحالف البلدان منذ الحرب العالمية الثانية ضد الشيوعية ولصالح المحافظة على استقرار أسعار النفط، وفي سبيل المحافظة على سلامة حقول النفط وطرق نقله من الخليج العربي.

كما كان يهدف تحالفهما إلى تعزيز استقرار الاقتصادات الغربية التي استثمر فيها السعوديون أموالا طائلة. وتحالف الطرفان ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان بالثمانينيات، وطرد القوات العراقية من الكويت عام 1991.

‪‬ روسيا التي دست أنفها عسكريا في سوريا تسعى لموطئ قدم بالخليج وما وراءه
‪‬ روسيا التي دست أنفها عسكريا في سوريا تسعى لموطئ قدم بالخليج وما وراءه

عام 1951، وبموجب اتفاقية دفاعية مشتركة وقعها البلدان، أسست الولايات المتحدة بعثة تدريب عسكرية دائمة في السعودية. ورغم أن هذه العلاقة واجهت الكثير من العوائق خاصة إبان حكم الملك سعود فيما يخص إستراتيجية مواجهة الشيوعية، فإنها عادت وبشكل أقوى.

فقد قرر سعود تأييد السياسة المؤيدة للاتحاد السوفياتي التي كان يعتمدها الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وطرد القوات الأميركية واستبدلها بقوات مصرية في أكتوبر/تشرين الأول 1955 ردا على تحالف دعا إليه الرئيس الأميركي آيزنهاور الذي ضم معظم أعداء المملكة بالمنطقة.

لكن الملك عاد للتعاون مع الولايات المتحدة بعد أن عارض آيزنهاور الخطة البريطانية الفرنسية الإسرائيلية لاحتلال قناة السويس إبان أزمة السويس عام 1956، لتستمر العلاقات التي تعتمد فيها الرياض على الحماية والدعم العسكري والاستخباراتي شبه الكامل في وقت تتدفق استثمارات المملكة على القطاعات الأميركية والغربية المختلفة.   

وإذا ما كان الكرملين يراهن على الوريث الشاب المحاصر ويحاول مغازلته مستغلا الأزمة التي تمر بها مملكته ويرى أنه (محمد بن سلمان) من المرجح أن يخرج من هذه القضية سالما وربما قويا معززا وفق بلومبيرغ، فإن السعوديين ووفق التحالف الإستراتيجي مع الغرب ربما "يلعبون الورقة الروسية لإخافة الأميركيين" ليس أكثر.

المصدر : مواقع إلكترونية + وكالات