العيش بجوار المستوطنين.. الجحيم بعينه
أسيل جندي-القدس المحتلة
وبمجرد دخول الحي تلفت نظر الزائر أكوام النفايات المتراكمة أمام المنازل، وكاميرات المراقبة التي ترصد تحركات السكان، ومجموعة أطفال مقدسيين يلهون في فسحة صغيرة ويتفرقون كلما قرر المستوطنون المرور منها بحماية حراسهم، ثم يعودون ليكملوا اللعب.
و
تصف نجاح حياتها بالجحيم منذ جاورها المستوطنون عام 2004، اصطحبت الجزيرة نت في جولة لبعض الغرف التي اضطروا لهجرها بسبب تآكل الجدران وتسرب مياه الصرف الصحي من البؤرة الاستيطانية المجاورة، ومع ذلك تمنعهم سلطات الاحتلال من إدخال مواد البناء لترميم أي جزء من المنزل.
"استولى المستوطنون على العقار الملاصق لمنزلنا الذي اشتريناه من رجل مقدسي اكتشفنا لاحقا أنه باع العقار ذاته للجمعيات الاستيطانية، وفي إحدى الليالي دخلوا على المنزل واستولوا عليه وبدؤوا بتأثيثه تدريجيا، وبعد سلسلة من المحاكم بيننا صدر حكم لصالحهم بادعاء أنهم اشتروا العقار قبلنا، ومنذ ذلك الحين انقلبت حياتنا رأسا على عقب" تقول نجاح.
أذى يومي
تزدحم في ذاكرتها قصص اعتداءات كثيرة تعرضت لها وعائلتها على يد المستوطنين وحراسهم تتمثل بالضرب المبرح والاعتقال واقتحام المنزل بشكل شبه يومي، وإلقاء قنابل الغاز والصوت على ساكنيه، وتعمد الضرب بالهراوات وأعقاب البنادق.
"أقصى أمنياتي أن أنام بشكل متواصل، فكلما خلدت للنوم أستيقظ بفزع على صوت أجهزتهم اللاسلكية التي يتحدث عبرها الحراس طوال الوقت، نهضت لأداء صلاة التهجد قبل يومين وبمجرد سماعهم لحركتي في المنزل سلطوا كشافا نحوي وكشفوني وأنا أصلي داخل غرفتي، ينتهكون حرمة منازلنا كل دقيقة".
ليست وحدها الكشافات التي تقض مضجع نجاح الرجبي بل كاميرات المراقبة التي ترصد تحركات سكان الحي ليلا ونهارا، مما يضطرها لإطفاء الإنارة مع حلول المساء كي لا تنكشف على الكاميرات.
فارق زوجها الحياة قبل خمسة أعوام ولا تزال المسنة تكابد متاعب الحياة اليومية مع أبنائها وزوجاتهم وأحفادها.
وعن الأذى الذي يلحق بأحفادها الذكور قالت "كانوا يتعرضون للضرب المبرح ثم الاستدعاء أو الاعتقال بشكل يومي حتى ضقنا ذرعا بهذا العذاب، فاضطر خمسة من أحفادي الذكور الآن للنوم في مكان عملهم بأحد الأفران ويأتون لزيارتنا مرة كل شهرين وفي كل زيارة يتم اعتقالهم أو ضربهم، أهناك أعظم من هذا الألم؟!".
على صوت تحذيرات المسنة من أن التصوير في المنطقة قد يعرض للأذى أو المساءلة توجهت الجزيرة نت إلى منزل عائلة أبو ميالة المطل على البؤرة الاستيطانية التي تُستخدم كنيسا افتتح بحضور رسمي إسرائيلي قبل أشهر.
انتهاكات بقوة السلاح
ربة المنزل أم عزمي أبو ميالة بدت صلبة أكثر من نساء الحي الأخريات وهي تحث أطفالها مرارا على ضرورة تحليهم بالشجاعة وعدم الخوف من المستوطنين وحراسهم رغم حملهم السلاح وتصرفهم بوحشية مع السكان.
وسردت للجزيرة نت بعض ما تعانيه عائلتها بسبب إطلالة شرفة المنزل الخارجية على البؤرة الاستيطانية "نضطر لحبس أنفسنا وأطفالنا بالمنازل في فترة الأعياد اليهودية لأنهم يفرضون علينا منع التجول، وفي يومي الجمعة والسبت تتضاعف المضايقات بسبب عطلة الإسرائيليين الرسمية وتبادل زيارات المستوطنين لبعضهم".
ولا تتوقف الانتهاكات عند ذلك الحد حسب قول أم عزمي، إذ يتعرض منزلها لاقتحامات الجيش وحراس المستوطنين بشكل مستمر، ويتخلل ذلك تفتيش المنزل والاعتداء عليهم "تعرض ابني للضرب حتى فقد وعيه ونقل بالإسعاف للمستشفى، وها هو معتقل في سجون الاحتلال الآن، واخترقوا خصوصيتنا باقتحام المرحاض أثناء وجود ابنتي داخله بادعاء أن أحدنا بصق على المستوطنين أثناء مرورهم".
خلال وجودنا في الحي حاولنا سبر أغوار أفكار الأطفال هناك، ومن بينهم دارين ذات الأعوام التسعة التي قالت بصوت منخفض "الحياة لم تعد جميلة منذ جاء المستوطنون للسكن بجوارنا"، ولم تتردد بالإفصاح عن مشاعر الخوف التي تتملكها من رؤية السلاح على مدار الساعة ومن اقتحام منزلها دوريا لتفتيشه واعتقال أحد أشقائها الذكور.
بصق ورشق
سادين (11 عاما) تحلم بالحرية، وتتمنى أن يمضي يوم واحد دون تعرضها لمضايقات أطفال المستوطنين المتمثلة بالبصق عليها ورشقها بالحجارة، وتحاول إقناع نفسها بأنها لم تعد تخشى من سلاحهم لأنها اعتادت على رؤيته كل لحظة.
أنهت الجزيرة نت الجولة في حي بطن الهوى بلقاء رئيس لجنته زهير الرجبي الذي أوضح أن التغلغل الاستيطاني بدأ عام 2004 ببؤرتين استيطانيتين ثم تصاعد عام 2014 ليصل عدد البؤر الآن إلى ست، وتتراوح البؤرة بين غرفة وبناية.
ويدعي الاحتلال أن هذا الحي الذي يعيش فيه 850 مقدسيا يعود إلى يهود اليمن الذين سكنوه قبل عام 1948، وما زال الأهالي يترافعون بالمحاكم لإثبات ملكيتهم للمنازل التي يؤكدون أنهم اشتروها من اليهود عام 1935، لكنهم يجمعون على أن السنوات المقبلة ستكون أكثر قتامة في ظل نشاط الجمعيات الاستيطانية لاستعادة كافة المنازل المقامة على مساحة خمسة دونمات تقريبا.