زعترة.. يوميات قرية محاصرة بالضفة الغربية

جل ما تبقى من حديقة القرية هو مقعد تجلس فوق بسنت ورفاقها الأطفال للعلب ومراجعة دروسهم
رغم الحصار المطبق على القرية، أطفال "زعترة" يتحدون الاحتلال بإصرارهم وابتساماتهم (الجزيرة)

عاطف دغلس–نابلس

فوق مقعد حديدي كانت الطفلة بسنت الأقطش تجلس ورفيقاتها وسط ساحة قريتها "زعترة" جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية، تحمل كتبها وتراجع وزميلاتها الدروس، مستغلة غروب الشمس وهدوءا غمر المكان.

المقعد هو جلُّ ما تبقى من حديقة خاصة بالأطفال أقيمت بدعم خارجي وهدمتها إسرائيل قبل عامين ونيِّف، كانت المتنفس الوحيد لبسنت و25 طفلا يعيشون هناك ويشكلون ربع سكان القرية التي تقتصر على عائلة واحدة (عائلة الأقطش).

لثلاث سنوات قبل قيام دولة الاحتلال، يعود عمر قرية "زعترة"، وبالتحديد للعام 1945 حين ابتاع الجد الأكبر محمود عبد الله الأقطش قطعة أرض بمنطقة "عقبة زعترة"، وبنى منزله فيها قادما من بلدته الأصلية "بيتا".

حاجز زعترة جنوب نابلس أقيم عند مدخل القرية ويتسبب بقلق مستمر لسكانها (الجزيرة)
حاجز زعترة جنوب نابلس أقيم عند مدخل القرية ويتسبب بقلق مستمر لسكانها (الجزيرة)

تسارع ونمو
كل شيء يُحيط بقرية زعترة يتسارع وينمو إلا المكان الذي تقطنه بنست وعائلتها، ربما كان والدها أسامة أكثر حظا من غيره في القرية، فقد عَلا بطابق إضافي فوق منزل عائلته حين تزوج قبل عشر سنوات، وهو الآن يقطنه وزوجته وأطفاله الأربعة.

بهذه الطريقة فقط (البناء العمودي) يمكن للأهالي التوسع في البناء، واستغلال أسطح منازلهم لإضافة غرف جديدة، فمنازل القرية الثماني عشرة بنيت قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967.

تصنف إسرائيل "زعترة" ضمن مناطق "سي" المقدرة بـ62% من أراضي الضفة والخاضعة لسيطرتها الأمنية، وتمنع البناء فيها دون ترخيص، وتلاحق الذين يخالفون هذا القرار بالهدم المباشر.

تضطر بسنت والأطفال الآخرون للتوجه إلى مدارس البلدة المجاورة، يكون ذلك بالتنقل والتلاميذ عبر حافلات خاصة، وهم يفتقرون لخدمات البنية التحتية والتعليمية والصحية.

تفيض الطفلة الصغيرة بمشاعرها الحزينة وهي تحدثنا عن واقعهم المأزوم في القرية، حيث لا أماكن للترفيه واللعب بعد هدم الحديقة الوحيدة لهم.

الحسرة ذاتها تكتنف الجد الأكبر سنا في القرية رزق الله الأقطش، يسمونه "المختار"، وهو منذ زمن يقوم بدورية صباحية ومسائية تحسبا لأي خطر يداهمهم، نصبوا سياجا حديديا حول القرية حفظا لأمنهم، فالخنازير البرية التي يطلقها المستوطنون باتت تفتك بهم.

بسنت وأطفال القرية ينتقلون لمدرسة بلدة بيتا القريبة مما يكلف عائلاتهم نفقات إضافية (الجزيرة)
بسنت وأطفال القرية ينتقلون لمدرسة بلدة بيتا القريبة مما يكلف عائلاتهم نفقات إضافية (الجزيرة)

بلا زيادة
قادنا العجوز للحدود ليرينا مساحات واسعة من أرضهم التي يُحرمون من التمدد الطبيعي فيها بأي شكل، ويقول إن "الاحتلال دأب على ذلك منذ أكثر من نصف قرن"، والمسموح فقط هو "اعتلاء أسطح المنازل"، وهو ما يعده الأهالي مستحيلا، فمنازلهم لا تحتمل إضافات جديدة.

على مقربة منا كان الشاب محمد والأطفال في "زعترة" يلعبون كرة القدم، حوَّلوا تلك الفرجة البسيطة أمام منازلهم لملعب دائري، وجدوا فيه ضالتهم بعد أن دمر الاحتلال أكبر أحلامهم (الحديقة) بجرافاته العسكرية.

يحترف الشاب كرة القدم، ويحاول جاهدا تشكيل فريقين من الأطفال لإكمال اللعب، لكنه لا يفلح في ذلك عادة "لقلة اللاعبين، لا لشيء آخر"، ويضيف بشيء من السخرية "يبدو أن الزيادة الطبيعية للسكان باتت مرهونة بأوامر الاحتلال".

احتياجات تبدو أنها أكثر أهمية للقرية لم تحققها لهم الجهات الفلسطينية، لا سيما المركز الصحي والمدرسة، حتى إنهم ونتيجة لإجراء معين في سلطة الحكم المحلي الفلسطيني باتوا تابعين لبلدة بيتا المجاورة وليس لهم بالتالي كيان مستقل، وهو ما يُصعب حصولهم على مشاريع دعم.

في القرية لا يُحاصَر البناء فحسب، كل شيء يتحرك بحذر خشية مداهمة الجنود وتعكير صفوها، يُضيق حاجز "زعترة" العسكري المقام عند مدخل القرية الخناق عليها، وغير بعيد وعلى الجبل المحاذي تجثم بيوت المستوطنين في "تفوح" لتحجب عنهم شمس الغروب.

يحاول المواطنون في زعترة استغلال كل فرصة متاحة لتوسيع منازلهم (الجزيرة)
يحاول المواطنون في زعترة استغلال كل فرصة متاحة لتوسيع منازلهم (الجزيرة)

بيع بالغصب
يُشير سمير الأقطش (أبو أنس) بيده صوب المستوطنة وبيوتها "الفارهة"، وهو يرصد "نموها المتسارع" وبه حسرة على نفسه وأهل قريته، ويقول "تلك المنازل أقيمت خلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، وكل يوم يشهد تجريفا وبناء بينما نحرم من بناء لبنة واحدة".

استغل المواطنون "أعياد اليهود" قبل أسبوعين ووسعوا ديوان القرية بإضافة جدار خارجي له، باتت الحاجة ملحة لذلك لإقامة مناسباتهم المختلفة، لكن "هواجس الهدم" تطاردهم.

رغم ذلك، ربما يظل الهدم أقل خطر يواجه السكان، فهناك خطر داهم اسمه "البيع"، وهو سلاح المستوطنين ومن يساندهم من "سلطة التنظيم" الإسرائيلية التي تضغط بكل قواها لشراء الأرض، وتتحايل على الناس من أجل ذلك بالترهيب والترغيب.

المصدر : الجزيرة