"ماكو أوامر".. السعودية تستعيد "النكبة" في قضية خاشقجي

Demonstration for missing Saudi journalist Jamal Khashoggi in Washington- - WASHINGTON, UNITED STATES - OCTOBER 12 : A group of people hold pictures of missing Saudi journalist Jamal Khashoggi during a demonstration in front of the Embassy of Saudi Arabia in Washington on October 8, 2018.
متظاهرون أمام السفارة السعودية بواشنطن في أكتوبر/تشرين الأول الجاري

 الجزيرة نت-خاص

لم يجد وزير الداخلية السعودي عبد العزيز بن سعود بن نايف ما يحفظ به وجه بلاده في قضية اختفاء مواطنه الصحفي جمال خاشقجي غير استعارة عبارة شهيرة و"سيئة السمعة" من قاموس نكبة عام 1948 وهي "ماكو أوامر"، مع اختلاف السياق في الحالتين.
 
وبعد حالة من الصمت دامت عشرة أيام، خرج الوزير السعودي اليوم السبت بتصريح "شجب واستنكار" لا لدولة أو جهة رسمية، بل لوسائل الإعلام التي سعت لاستجلاء حقيقة مصير خاشقجي.
 
وتضمن بيان الشجب والاستنكار نفي ما تم تداوله بوجود "أوامر" سعودية بقتل خاشقجي، محيلا بهذا النفي إلى "ذاكرة النكبة" التي اشتهرت فيها عبارة "ماكو أوامر"، التي اشتهرت عن الجيش العراقي ودوره مع بقية الجيوش العربية في حرب 48، والتي نسبت إلى رئيس أركان الجيش العراقي في ذلك الوقت الفريق صلاح الجبوري.

وسواء كانت عبارة "ماكو أوامر" قد صدرت بالفعل عن الجبوري أو لم تصدر، فإنها اكتسبت شهرة كبيرة ورواجا واسعا، ولا تزال موضوعا للتندر في سياق حديث النكبة والخلافات بين الأنظمة العربية، والتي تحولت إلى خصومات حادة، وأفرزت تكتلات متناحرة تتبادل الاتهامات.

‪‬ القنصلية السعودية في إسطنبول.. الجدران ستكشف المستور وتحكي التفاصيل(رويترز)
‪‬ القنصلية السعودية في إسطنبول.. الجدران ستكشف المستور وتحكي التفاصيل(رويترز)

قول المريب
وبالعودة إلى حديث نفي "الأوامر" في طبعته السعودية اليوم، يثير البيان "اليتيم" لوزير الداخلية بشأن اختفاء خاشقجي مزيدا من الأسئلة بدلا من أن يقدم إجابات، ويؤكد الشكوك بدلا من تقديم حقائق.

وربطُ البيانِ بطريقة تعاطي الإعلام السعودي منذ بداية القضية حتى اليوم يقود إلى نتيجة مفادها "يكاد المريب يقول خذوني".

ويأتي في مقدمة الأسئلة التي يثيرها البيان سؤال يتعلق بطبيعة اختفاء خاشقجي داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول قبل 12 يوما، فهل كان اجتهادا أو مبادرة من القنصل هناك؟ وهل تعليمات السفارة في أنقرة لا علاقة لها بالرياض وأوامرها؟

الواقع أن السفارة أو القنصلية لا يمكنها المبادرة أو الاجتهاد في مثل تلك القضية بمعزل عن الرياض، فهي لا تفعل شيئا لا يخرج عن إرادة "الأوامر" الملكية في أمور أقل أهمية.

السؤال الثاني يتعلق بحقيقة الأوامر التي صدرت بالفعل من الرياض، والمطلوب من الحكومة السعودية توضيحها بدلا من أن تزيد الطين بلة ببيان يثير البلبلة، فهل كانت الأوامر هي اتخاذ إجراء آخر مع خاشقجي ثم خرج الأمر عن السيطرة؟

السؤال الثالث يتصل بتوقيت صدور مثل هذا البيان، ولماذا تأخر طيلة هذه المدة؟ ولماذا لم يصدر عن السعودية أي بيان رسمي يثبت ما ذكره بيان اليوم بشأن "حرص المملكة التام على مصلحة مواطنيها في الداخل والخارج"؟

السؤال الرابع يتمحور حول خلوّ البيان من أي حقائق أو إجراءات عملية على أرض الواقع قامت بها المملكة لكشف الحقيقة التي أكد بيان اليوم حرص السعودية "بشكل خاص على تبيان الحقيقة كاملة في موضوع اختفاء المواطن جمال خاشقجي".

كما يثير حديث البيان عن "تمسك المملكة بثوابتها وتقاليدها المراعية للأنظمة والأعراف والمواثيق الدولية" السؤال عما رشح عن طبيعة تلك "الثوابت والتقاليد" وعما إذا كانت هناك طبعة جديدة منها.      

وثمة سؤال آخر عن الجهة التي صدر عنها البيان وهي وزارة الداخلية السعودية، التي يتولاها وزير من العائلة المالكة وهو محمد بن نايف.. فلماذا صدر البيان عن الداخلية ولم يصدر عن وزارة الخارجية السعودية وهي الأولى باعتبارها قضية دبلوماسية في أحد جوانبها؟

ويتشعب السؤال الأخير ليفرز أسئلة أخرى عن موقف وزارة الخارجية السعودية، ولماذا غابت تماما منذ بداية الأزمة وحتى اليوم؟ ولماذا غاب وزير الخارجية عادل الجبير رغم حرصه على الظهور وإطلاق التصريحات في قضايا أقل شأنا من قضية خاشقجي؟ فضلا عن مهاراته الدبلوماسية والحديث باللغة الإنجليزية.

مثل هذه الأسئلة المشروعة وغيرها لا تتم الإجابة عنها بـ"أوامر" باعتبار "الأوامر" كلمة السر في الظهور والاختفاء والحديث والصمت، لكن الأوامر تبدو عاجزة عن التأثير في العقل والتفكير، لأن العقل والفكر لا يعملان بـ"أوامر"، كما أن مصداقية الدول وسمعتها بين الأمم لا تتحققان بـ"أوامر".

المصدر : الجزيرة