هل تمهد السلطة المصرية لإلغاء مجانية التعليم؟

3-الدستور يكفل الحق في التعليم بالمجان تصوير زميل مصور صحفي مسموح باستخدمها
 
"لا يجب أن يكون التعليم الجامعي للجميع". هذا ما قاله رئيس مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقي، في إطار مطالبته بإلغاء مجانية التعليم الجامعي وإتاحته للمتفوقين فقط.
 
الفقي -الذي شغل منصب مستشار للمعلومات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك– برر مطالبته، خلال تصريحات متلفزة، بكون التعليم الجامعي مكلفا، وأن الجامعات أفرزت ملايين العاطلين بسبب مجانية التعليم.

وحاول الرجل أن يقدم تبريرا أقوى لرؤيته فقال "لدينا مشكلة في غياب العدالة الاجتماعية في التعليم، ولا يوجد تعليم جامعي مجاني في العالم".

والمتابع لتصريحات المسؤولين الحكوميين والشخصيات المحسوبة على النظام حول المنظومة التعليمية في مصر؛ سيكتشف أن تصريحات الفقي ليست خارجة عن السياق الذي يبدو أن الدولة تتبناه في السنوات الأخيرة، وهو إلغاء مجانية التعليم.

 

فقد سبقه وزير التعليم الدكتور طارق شوقي، الذي صرح وقت رئاسته المجلس الاستشاري لشؤون التعليم (مجلس شُكل بناء على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2014) بضرورة انتهاء التعليم المجاني كحق مكتسب للمواطن.

ولم يتخل شوقي عن رؤيته بعدما أصبح وزيرا، فأكد -في ديسمبر/كانون الأول الماضي- ضرورة مراجعة مصطلح مجانية التعليم، بما يتوافق مع موارد الدولة، وأردف "مفيش حاجة ببلاش والدولة عليها التزامات كبيرة".

بينما دعت عضوة مجلس النواب أنيسة حسونة في سبتمبر/أيلول الماضي لإلغاء مجانية التعليم للطفل الثاني، في حين شجع النائب أحمد مرتضى منصور على اتخاذ قرار بإلغاء مجانية التعليم، وقال إنه سيكون قرارا شجاعا مثل قرار شن حرب أكتوبر/تشرين الأول (ضد إسرائيل عام 1973).

كذلك طالب الإعلامي -المحسوب على السلطة- عمرو أديب في أكثر من مناسبة بإلغاء مجانية التعليم الجامعي نهائيا.

لكن الأهم من كل ذلك ربما هو ما صدر عن الرئيس السيسي نفسه، حيث بدأ بالتلميح خلال مؤتمر الشباب الأول، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، عندما قال إن دولا كثيرة نجحت في تجربة إلغاء مجانية التعليم، وتساءل: "هل أقدر أنا أعمل كده؟"

وعاد السيسي في ديسمبر/كانون الأول 2016، لا ليتحدث عن مجانية التعليم وإنما ليضرب في أساس أهمية التعليم نفسه، وتساءل: "يعمل إيه التعليم في وطن ضايع؟"

وترتسم علامات الاستفهام حول التلميحات الرسمية لإلغاء مجانية التعليم، وهي المجانية التي ظلت السلطات المتعاقبة في مصر تروج لها منذ بداية الخمسينيات باعتبارها أهم مكتسبات ثورة يوليو/تموز 1952 التي قادها ضباط من الجيش، علما بأن الدستور ينص في المادة 19 على أن "التعليم حق لكل مواطن، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية".

‪تحتل مصر مركزا متأخرا في جودة التعليم على الصعيد العالمي (الجزيرة نت)‬ تحتل مصر مركزا متأخرا في جودة التعليم على الصعيد العالمي (الجزيرة نت)
‪تحتل مصر مركزا متأخرا في جودة التعليم على الصعيد العالمي (الجزيرة نت)‬ تحتل مصر مركزا متأخرا في جودة التعليم على الصعيد العالمي (الجزيرة نت)

قرارات ممهدة
وفي ما يعتبره البعض تمهيدا لقرار مدوّ يتوقع صدوره، قضت المحكمة الإدارية العليا بأحقية مجالس الجامعات الحكومية في تحديد المصروفات الدراسية التي يسددها الطلاب للقيد، بما تسمى برامج التعليم المستحدثة بالكليات، حتى ولو جاوزت مبالغ تلك المصروفات ما يقره قانون الجامعات. وقالت المحكمة إن الدراسة المتميزة بالبرنامج التعليمي الحديث، تبرر هذا التفاوت.

وسبق أن أعلنت كلية الطب بجامعة القاهرة، في أغسطس/آب 2015، بدء الدراسة في برنامج "الدراسة المتميزة"، بتكلفة ستين ألف جنيه للطالب في العام الدراسي الواحد، وارتفعت المصروفات هذا العام إلى 75 ألفا.

وفي مارس/آذار 2015، أصدر المجلس الاستشاري لشؤون التعليم مقترحا يتضمن تقليل الإنفاق الحكومي على دعم التعليم الجامعي عبر ربطه بالدرجات التي يحصل عليها الطالب. وطبقا للمقترح سيدفع الحاصلون على أقل 70% بالثانوية العامة جزءا من المصاريف الدراسية، أما الراسبون في جميع المواد فسيدفعون مصاريف الدراسة بشكل كامل.

تعليم متردٍّ
وبينما يتحدث مسؤولون مصريون عن إلغاء مجانية التعليم، تؤكد التقييمات الدولية تدني الخدمة التعليمية في مصر؛ فحسب مؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي للعام 2017-2018 حصلت مصر على مراكز متأخرة في جودة التعليم الأساسي والعالي، فاحتلت المركز 129 بين 137 دولة.

في حين حصلت جامعة القاهرة على المركز 452 في التصنيف العالمي للجامعات لعام 2018.

وانتقد الباحث الأكاديمي في المجال التربوي الدكتور محمد فتح الله تصريحات المسؤولين والإعلاميين حول التعليم المجاني، معتبرا إياها تمهيدا لإلغائه.
ودلل على ذلك، في تصريحات للجزيرة نت، بأن السيناريو نفسه تم تطبيقه قبل رفع الدعم عن العديد من السلع.

وانتقد فتح الله مقارنة البعض لمصر بدول متقدمة لا تقدم التعليم بالمجان، مشيرا إلى اختلافات كثيرة في مستوى المعيشة والدخل، فضلا عن جودة التعليم.

ولكن ما الذي سيحدث لو ألغت الدولة مجانية التعليم الجامعي؟
يجيب الخبير التربوي بأن قطاعا كبيرا جدا من المجتمع سيعزف عن تعليم أبنائه لعدم قدرته المادية. ويضيف أن الأمر لن يتوقف عند ذلك حيث يتوقع أن تتمادى الدولة بعد ذلك فتلغي مجانية التعليم الثانوي ثم الإعدادي فالابتدائي، وحذر من حدوث تناحر مجتمعي شديد إثر ذلك.

وطرح الكاتب الصحفي أسامة الغريب تساؤلا حول مدى وجود مجانية التعليم أصلا على أرض الواقع.

وأجاب عن تساؤله -في مقال له- بأن التعليم المجاني لم يعد موجودا، "ليس فقط بسبب الدروس الخصوصية، وإنما لأن الجامعات أصبحت تجبى آلاف الجنيهات تحت وهم "تجارة إنجلش وحقوق إنجلش.." في إشارة إلى الأقسام الإنجليزية بالجامعات، التي يتم الالتحاق بها بمقابل مادي.

وتابع ساخرا :"لعلهم سيقترحون أن يتعلم الفقير بالمجان بشرط أن يكون في عبقرية آينشتاين، بينما أولادهم الأغبياء يشترون الشهادات بالنقود".

 
المصدر : الجزيرة