معتقلو فندق الريتز بالرياض.. "شيك آوت"

Saudi Crown Prince Mohammed bin Salman speaks during the meeting of Islamic Military Counter Terrorism Coalition defence ministers in Riyadh, Saudi Arabia November 26, 2017. Bandar Algaloud/Courtesy of Saudi Royal Court/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY.
ولي العهد ابن سلمان أمر بحملة اعتقالات شملت المئات من رموز المجتمع السعودي (رويترز)
زهير حمداني
 
في وقت يخلو فيه فندق ريتز كارلتون الفخم في الرياض من آخر سجنائه الأمراء وكبار رجال الأعمال، وفق ما أكده مسؤول سعودي بارز، تتواتر الأسئلة عن  طبيعة التسويات الحاصلة، وعن المغانم التي حققها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد مرور أشهر على اعتقال مخملي لنخبة المجتمع السعودي، وما جلبه للمملكة من مخاطر.
 
وأكد مسؤول سعودي اليوم الثلاثاء أنه جرى إطلاق سراح جميع الموقوفين في فندق ريتز كارلتون بالرياض في إطار حملة على الفساد، بعد أن تم إطلاق جزء منهم خلال أيام سابقة بينهم الأمير الوليد بن طلال، أحد كبار رجال الأعمال في المملكة، من الريتز يوم السبت.
 
وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2017  اعتقلت السلطات السعودية بأمر من رئيس هيئة مكافحة الفساد الأمير محمد بن سلمان عشرات من الأمراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون الفخم، وذلك في إطار ما سميت حملة تطهير حكومية، واتسعت القائمة لاحقا لتشمل أكثر من 350 من الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين.
 
ومثلما تساءل الكثير من المتابعين والناشطين السعوديين عن الأسباب الحقيقية لاعتقال هذا الكم من شخصيات المجتمع المخملي السعودي، فإن مؤشر التساؤلات تضّخم بعد إطلاق سراحهم دون أي إشارات تفسر ما حصل سوى الحديث عن تسويات مالية تبقى مبهمة إلا من تسريبات وأخبار غير مؤكدة.
 
وأشارت مجلة فوربس الأميركية إلى أن الأمير الوليد بن طلال تخلى عن معظم أصوله وأسهمه تقريبا في الشركة القابضة السعودية مقابل الإفراج عنه، وإذا قرّر مغادرة المملكة وعدم العودة لها مجددا فسيتم توجيه اتهامات رسمية له، لكن مصادر عائلية نفت ذلك.
 
من جهتها نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين سعوديين أن كل المعتقلين، ومنهم الوليد بن طلال، وافقوا على تسويات مالية بعد أن أقروا بارتكاب "مخالفات" لم يتم تحديدها. لكن المزاعم ضد هؤلاء الرجال والتسويات التي توصلوا إليها بقيت طي الكتمان.
 
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قد نقلت الأسبوع الماضي عن مسؤولين سعوديين أن المملكة انتزعت حتى الآن نحو مئة مليار دولار من أكثر من 350 شخصا بين أمير ورجل أعمال ضمن حملة "التطهير من الفساد".
الأمير الوليد بن طلال أطلق سراحه بمقتضى تسوية وفق ما نقلت صحف غربية (الجزيرة)
الأمير الوليد بن طلال أطلق سراحه بمقتضى تسوية وفق ما نقلت صحف غربية (الجزيرة)
المال والسياسة
وفي غمرة حملة الاعتقالات، ورغم غطاء الفساد الذي غلفت به، فسّر الكثير من السعوديين أن هذا الملف تم توظيفه من قبل ولي العهد محمد بن سلمان لإقصاء خصومه والضغط عليهم لقبول توجهاته وتصوراته لمستقبل المملكة.
 
ورأى البعض أن الفساد كان ينخر المؤسسات السعودية بما فيها أجهزة السلطة، مما يستدعي إصدار مثل هذه القرارات، في حين رأى آخرون أن القرارات الأخيرة لا تعدو أن تكون نتاج نزعة للتفرد بالسلطة وتصفية كل المناوئين.
 
وأشار مراقبون ومعارضون إلى أن قضية مكافحة الفساد كانت مجرد "مسرحية هزلية"، إذ إن وزير المالية السابق إبراهيم العساف اعتقل في إطار الحملة بتهم عدة، وتم التشهير به بشدة قبل أن يطلق سراحه بداية يناير/كانون الثاني الجاري ويعود وزير دولة ويقود وفدا حكوميا في منتدى دافوس.
 
ويعتقد نشطاء سعوديون أن ما سمّته السلطات السعودية "تسويات" بحق متهمي الفساد هي في الحقيقة "ابتزاز"، واعتبروا أن الفساد لا يكافح إلا عبر مؤسسات حقيقية وقضاء مستقل ونزيه، وقوانين نزيهة تطبق على الجميع، وأن شخصا واحدا لا يستطيع محاربة الفساد، على حد قولهم.
 
ورغم أن حملة الاعتقالات الواسعة -التي امتدت أيضا إلى مثقفين ودعاة وناشطين سياسيين وحتى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري– لم تؤد إلى ردات فعل داخلية كبيرة تلجم طموح ابن سلمان، حسب صحيفة ليزيكو الفرنسية، فإن تداعياتها شوهت الصورة التي أراد بناءها كمصلح ومحارب للفساد.
 
وأدت سياسة ابن سلمان والاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية إلى انتقادات واسعة من منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى إقليمية ودولية، وأثارت أيضا انتقاد بعض الحكومات الأوروبية، رغم السطوة المالية للمملكة.
 
وقال دبلوماسيون إن قرار إطلاق سراح المعتقلين يأتي قبل جولة يعتزم الأمير محمد بن سلمان القيام بها في الولايات المتحدة وعواصم أوروبية في شهري فبراير/شباط ومارس/آذار 2018، وذلك من أجل تلميع صورته التي لطختها سياساته ونزعاته الفردية، وفق ما يؤكد معارضوه.
‪من اليمين وليد الإبراهيم تركي بن ناصر وخالد التويجري وفواز الحكير يتوصلون لتسويات مع السلطات السعودية‬ (الجزيرة)
‪من اليمين وليد الإبراهيم تركي بن ناصر وخالد التويجري وفواز الحكير يتوصلون لتسويات مع السلطات السعودية‬ (الجزيرة)

تداعيات الغموض
ويرى متابعون أن عمليات الاعتقال المفاجئة وغير المسبوقة لنخبة أمراء المملكة ورجال أعمالها، وإطلاق سراحهم سواء بتسويات أو بغيرها، في غياب الحقائق وفي ظل التعتيم، تشير في النهاية إلى وضع المملكة غير المستقر، وتضمر الحيرة والشكوك بين شركاء المملكة وخصوصا على الصعيد الاقتصادي.

 

ونقلت وكالة رويترز عن محللين أن هذا الوضع الغامض وغياب الأفق الواضح يثير قلق المستثمرين الذين أصبحوا يتحسبون من خطوات ولي العهد السعودي، الذي يخلط بين الإصلاح ونزوع السيطرة على الحكم.

 

وقال جيسون توفي الخبير الاقتصادي في شؤون الشرق الأوسط بشركة ‘كابيتال إيكونوميكس’ في لندن، إن عملية التطهير غير الواضحة زادت من الإحساس بالغموض بين المستثمرين الأجانب المحتملين في السعودية، وما ستؤدي إليه يوما ما من ردود فعل ضد الأمير ابن سلمان الذي دشن حملة التطهير.

 
مسؤول كبير في مجموعة "أم بي سي" قال هو الآخر إن تبرئة ساحة رجل الأعمال السعودي وليد آل إبراهيم (رئيس مجلس إدارة الشركة الإعلامية) قد تضر سريتها بمساعي البلاد لاجتذاب الاستثمار الأجنبي.
 
وفي وقت تسعى فيه المملكة إلى فتح أبوابها بشكل أكبر أمام الاستثمارات الخارجية، ومع بدء فتح شركة أرامكو العملاقة أمام الاكتتاب، تبرز حالة عدم اليقين المرتبطة بالمسار السياسي واستقرار البلاد عائقا كبيرا أمام رغبة المستثمرين الأجانب وحتى السعوديين الذين استوعبوا درس "عاصفة الفساد" التي قد تهب مرة أخرى في أي لحظة.
 
ثم إن أجواء الاعتقالات التي غرق فيها المجتمع السعودي وشملت مختلف الشرائح، هزت صورة المملكة أو ما بقي منها -كما يقول ناشطون- لدى الرأي العام العالمي، ونشرت أجواء من الخوف على الصعيد الداخلي ومن شركاء المملكة.
 
وكان موقع إنترسبت قد قال إن الأزمات التي تعانيها السعودية آخذة في التزايد "بشكل كارثي"، ومن بينها فشلها في الحرب الخاسرة على اليمن، ومحاولتها تركيع دولة قطر، ويحذر أيضا من احتمالات انفجار الوضع الداخلي جراء ما سماها "السياسة المتهورة" لولي العهد محمد بن سلمان.
 
وبالنسبة لكثير من المعارضين السعوديين، فإن الأشهر الماضية بما فيها موجة اعتقالات الأمراء  والملفات الكثيرة المفتوحة مثلت اختبارا صعبا للمملكة ولبنائها الداخلي وسمعتها الخارجية، يصعب تجاوزه.
المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية