"جب الذيب".. مدرسة تجسد مقاومة الاحتلال

عاطف دغلس-بيت لحم

بينما كانت "زينة" ترقب بعيون حزينة معاول الاحتلال الإسرائيلي وجرافاته وهي تهدم مدرستها "جب الذيب" التي تحمل اسم القرية، كان "حسن" يُعد نفسه لعمل شاق في اليوم التالي يُعيد فيه مع أهالي قريته بناء ما هدمه الاحتلال ليعيدوا الأمل بعام دراسي جديد.

زينة وحسن طالبان في المرحلة الابتدائية في قرية قرب مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، تجرَّعا معا -كبقية الطلبة- ألما ومعاناة بعد هدم مدرستهم أواخر أغسطس/آب الماضي حيث كانا يتأهبان لأول يوم دراسي لهما فيها.

وبتحدٍّ أكبر تزينت جدران المدرسة بأعلام فلسطينية ولوحات شحذت همم الطلبة ومعلماتهم وخففت آلامهم، وعُلِّقت مخلفات جيش الاحتلال من قنابل الغاز المدمع وقنابل الصوت لتكون شاهدا على جرائمه.

"من بعيد كنت أشاهد الهدم بلا حول ولا قوة، وكانت دمعاتي تتساقط كما جدران مدرستي" تقول زينة، وتضيف أن طريقة الهدم كانت "بشعة"، حيث داهمت الجرافات المكان وأخذت تسويه بالأرض "لتبعثر حلمنا بين بساطير جنود حاقدين".

الطلبة يسلكون طرقا طويلة بين الجبال للوصول إلى مدرستهم في
الطلبة يسلكون طرقا طويلة بين الجبال للوصول إلى مدرستهم في "جب الذيب" (الجزيرة نت)

تحدّ وأمل
أما حسن زميل زينة فإن حلمه لم يتبدد، بل أرفقه بخطوة جريئة بأن كان -رغم صغر سنه- أحد المشاركين في إعادة بناء المدرسة مجددا، ويواصل أيضا برفقة والده حراستها خشية اعتداء المستوطنين.

ومثل حسن، هبَّ أهالي القرية ومسؤولون وناشطون بالمقاومة الشعبية لبناء المدرسة قبل أيام قليلة، وأطلقوا عليها "التحدي 5" تحديا للاحتلال واستيطانه. كما استصدروا أمرا احترازيا من المحكمة العليا الإسرائيلية بمنع الهدم لأربعة أشهر قابلة للتمديد.

لم يكترث حسن وزينة ومعهم أكثر من ستين طالبا يأتون من خمسة تجمعات سكنية محيطة، بالسير مئات الأمتار على الأقدام للوصول إلى مدرستهم الجديدة التي أعادت أملهم بالمدرسة وإن كانت من الطوب والصفيح.

"لكن الاحتلال لا يؤمَن جانبه وخطر الهدم يطارد المدرسة" يقول منسق المقاومة الشعبية في بيت لحم حسن بريجية. ويضيف أن "اللعب" كان وفق قواعد الاحتلال لمنع الهدم، حيث لجؤوا إلى القانون وأعادوا بناء المدرسة خلال ساعات قليلة تزامنا مع عملية المحاكمة، وانتزع المحامي الفلسطيني قرارا يمنع الهدم.

واحتاج بناء خمس غرف صفية -والكلام لبريجية- إلى جهود مضاعفة وتجييش السكان للإنجاز بسرعة وبما يخدم الطلبة في الوقت نفسه "قبل اغتيال الحلم مجددا" يضيف الرجل.

وواكب حراكَ الأهالي وصمودهم جهودٌ رسمية قادها وزير التربية والتعليم صبري صيدم شخصيا وأعادت هيكلة المدرسة وألحقت بها طاقما تعليميا، وانطلقت منها عملية الإحصاء للمنشآت والمباني الفلسطينية.

وكان الإصرار على دعم المدرسة واضحا حين خط الوزير صيدم عبارة تضامنية على دفتر مذكراتها "إنها لمدرسة حتى النصر"، وكأنه يردد شعار الثورة الفلسطينية "إنها لثورة حتى النصر".

وقال صيدم للجزيرة نت على هامش زيارته للمدرسة إن وزارته أسمت المدرسة "التحدي 5" تأكيدا على السير قدما في بناء سلسلة "مدارس التحدي" بمختلف المناطق النائية والمهمشة في الضفة الغربية.

وأردف أن الاحتلال يريد إزالة هذه المدرسة ومثيلاتها لأنه يدرك أنها تقاوم وجوده واستيطانه وتثبت السكان وأصحاب الأرض، وقال "لذلك هدفنا البقاء والصمود مهما كلف الأمر".

صيدم أكد دعم الحكومة الدائم لبناء المدارس تحديا للاحتلال ورفضا للاستيطان (الجزيرة نت)
صيدم أكد دعم الحكومة الدائم لبناء المدارس تحديا للاحتلال ورفضا للاستيطان (الجزيرة نت)

كي تبقى المدرسة
لكن لهذا الصمود ضريبة لم يزل أهالي "جب الذيب" يدفعونها يوميا بعدما شكَّلوا لجان حراسة لحماية المدرسة من خطر المداهمة والهدم، ويقول المواطن طالب زواهرة (55 عاما) إنه وآخرين يتناوبون على حراسة المدرسة منذ إعادة بنائها قبل نحو أسبوعين.

ولن يضير الرجل -وفق ما قاله للجزيرة نت– هذا الأمر ما دام يهمّ أحفاده الخمسة الملتحقين بالمدرسة وطلاب قريته ويحافظ على أرضه ويمنع تهويدها.

ويقول زواهرة إن لجنة الحراسة تشكلت من كبار السن الذين يقومون بمهمتهم نهارا، ومن الشبان الذين يعكفون على ذلك طوال الليل، بما لا يقل عن عشرين شخصا خلال فترة المناوبة الكاملة.

ما أحدثه الأهالي من نقلة نوعية في العمل الشعبي المقاوم ببناء مدرستهم يتطلب وفق قولهم دعما قانونيا وحماية سياسية بالعمل الدبلوماسي، ليظل المجتمع المحلي "حاضنة" للمقاومة الشعبية.

المصدر : الجزيرة