"خزائن".. قصاصات صغيرة وحكايات كبيرة

خزائن رشيف مجتمعي يوثق مواد قصيرة تكشف عن قصص هامة وكبيرة في التاريخ الفلسطيني.jpg
"خزائن" أرشيف مجتمعي يوثق مواد قصيرة تكشف عن قصص مهمة في التاريخ الفلسطيني (الجزيرة نت)

ميرفت صادق-رام الله

بعد أكثر من ثمانين عاما على إعدامهما، يقرأ الفلسطينيون قصة مختلفة عن ظروف إعدام "أبو جلدة والعرميط" أبرز المطاردين من الانتداب البريطاني مطلع الثلاثينيات، وذلك في خلاصة بحث نشرته مبادرة " خزائن" للأرشيف المجتمعي.

وبفضل قصاصات قديمة جُمعت من جريدة مرآة الشرق الصادرة في القدس حينها، قرأ الناس إعلانات عن تجنيد "بوليس الانتداب" ألف جندي لمطاردة "أبو جلدة والعرميط" بعد أعوام من ملاحقتهما، ثم اعتقالهما بأحد كهوف نابلس والحكم بإعدامهما.

وفي وصف درامي، نقلت "خزائن" ما ورد في قصاصات مصدرها صحيفة الدفاع الصادرة في يافا عام 1934، عن كيف سار الرجلان إلى حتفهما ينشدان الأغاني ويبثان التحيات متعطّرين يرتديان أبهى الحلل، وتسابقا إلى اعتلاء منصة الإعدام.

ونشرت مبادرة خزائن قصة الرجلين مؤخرا، وكانت جزءا من جهود لباحثين شباب في فلسطين ودول عربية وأجنبية، يجمعون مواد قصيرة محفوظة لدى الناس عن حوادث قديمة ومعاصرة.

وانطلقت مبادرة خزائن في أكتوبر/تشرين الأول 2016 كتجربة عربية أولى في جمع "الأفيميرا"، وهي مواد قصيرة كالمطويات والإعلانات التجارية والثقافية ومنشورات المؤسسات والجمعيات والأحزاب ودعوات الأعراس، وكل ما لا يقع ضمن اهتمام الأرشيفات الرسمية.

وتستهدف خزائن توثيق مواد مرتبطة بالقضية الفلسطينية خاصة، وتسعى إلى إنقاذها من التلف وحفظها للقراء والباحثين.

الباحث فادي عاصلة يعرض تجربة مبادرة خزائن للأرشيف المجتمعي برام الله (الجزيرة نت)
الباحث فادي عاصلة يعرض تجربة مبادرة خزائن للأرشيف المجتمعي برام الله (الجزيرة نت)

وقال الباحث فادي عاصلة -وهو من القائمين على المبادرة- إنها تهتم بما يعرف "بالأرشيف المجتمعي" أي ما يوثق تفاصيل يومية عن حياة الناس. وهي مواد من الصعب تجميعها بسبب صعوبة التنبؤ بمصادرها، إلى جانب الاعتقاد بعدم فائدتها رغم أنها قد تشكل مرجعا نوعيا لإكمال فجوات في أبحاث أو أحداث سياسية واجتماعية.

ويعمل عاصلة -الحاصل على الدراسات العليا في الفكر الإسلامي والأدب المقارن- مع سبعة فرق متطوعة من الباحثين الشباب في فلسطين والعالم العربي.

ولا يوجد مقر للمبادرة، لكنها وفرت ثلاثة مخازن لحفظ موادها بنسخ متعددة في الجليل الفلسطيني المحتل وعمّان وبيروت، تفاديا لضياعها كالمصير الذي لاقاه أرشيف منظمة التحرير الفلسطينية بعد خروجها من بيروت عام 1982 وغيره من الأرشيفات التي صادرها أو أتلفها الاحتلال.

واستلهمت المبادرة اسمها من عناوين المكتبات العربية في التاريخ الإسلامي، كخزائن بيت الحكمة في بغداد وخزائن القيروان وخزائن قرطبة.

ولا تكتفي خزائن بتلقي الوثائق والقصاصات، بل تلحقها بالبحث في ظروف وقوعها وتكشف القصاصات الصغيرة أحيانا عن قصص مهمة وكبيرة.

فبعد إرسال أحد أحفاد التاجر الفلسطيني محمد المطري من يافا قصاصة عن حادثة وفاته بحادث طرق عام 1965، عرف ناشطو "خزائن" بعد بحثهم في الأرشيفات الإسرائيلية أن المطري كان على علاقات بمستثمرين عرب شكلوا مصدرا لدعم شراء أراض وعقارات لمنع تسريبها إلى اليهود.

منشورات لخزائن استندت إلى قصاصات ووثائق حصلت عليها من أرشيفات شخصية (الجزيرة نت)
منشورات لخزائن استندت إلى قصاصات ووثائق حصلت عليها من أرشيفات شخصية (الجزيرة نت)

وأظهر بحث "خزائن" مقتل المطري دعسا بشاحنة، ولكن في ظروف "تشبه الاغتيال" بعد معركة قضائية خاضها لاسترداد أملاك سربت بالخديعة لمستثمر يهودي.

وتوثق "خزائن" بعد شهور من انطلاقها أرشيفات من 122 شخصا في 14 دولة، تغطي أحداثا عبر القرون الثلاثة الماضية، ومنها أرشيفات الصحف الفلسطينية القديمة ومخطوطات لفقهاء الشافعية في القدس، ومواد عن الحركة الطلابية الفلسطينية في ليبيا وقصاصات عن أنشطة ثقافية في سوريا خلال الخمسين سنة الأخيرة.

واستطاعت المبادرة جمع أكثر من أربعين ألف وثيقة تحفظها في خزائن مضادة للرطوبة، وجرى توثيقها أيضا بالمسح الضوئي لمنع ضياعها، كما حصلت على نحو 340 كتابا طبعت في فلسطين قبل نكبة 1948.

ويعتقد باحثو خزائن أن ما قامت به الأرشيفات الصهيونية في توثيق كل شيء عن الفلسطينيين وأنشطتهم في مواد قصيرة وفرتها قوات جوالة بالقرى الفلسطينية قبل النكبة، شكل مصدرا حيويا للمؤسسة الأمنية اليهودية في هجومها وسيطرتها على هذه القرى.

ولا تشبه خزائن العمل الأمني للصهاينة، لكن أرشيفها قد يشكل مدخلا لفهم المجتمع وتجربته الاجتماعية والسياسية، كما يعتقد ناشطوها.

المصدر : الجزيرة