مشروع البحر الأحمر.. سياحة سعودية بلا حجاب؟

مشروع البحر الاحمر
مساحة المشروع 34 ألف كيلومتر مربع ويطل على البحر الأحمر (مواقع التواصل)
الجزيرة نت ـ خاص

أثار الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية عن اعتزام المملكة تطوير منتجعات على نحو خمسين جزيرة إضافة إلى سواحل وشواطئ ومحميات طبيعية ومواقع جبلية وأثرية جدلا كبيرا في منصات التواصل الاجتماعي.

وتبلغ مساحة المشروع 34 ألف كيلومتر مربع ويطل على البحر الأحمر، ويتميز بمناخ معتدل "وسيكون آمنا ومحميا وتحكمه معايير جديدة تطمح للارتقاء بالسياحة العالمية عبر فتح بوابة البحر الأحمر أمام العالم".

هذه المعايير الجديدة توضحها معلومات نقلتها وكالة أسوشيتد برس عن مسؤولين سعوديين، وهي أن منطقة البحر الأحمر السياحية الجديدة ستتمتع بحكم شبه ذاتي، وستخضع لقوانين تتماشى مع المعايير الدولية.

وتضيف الوكالة أن المنطقة لن يفرض فيها ارتداء الحجاب ولا الفصل بين الرجال والنساء ولا غير ذلك من الإجراءات المحافظة.

وتعليقا على إعلان المشروع تساءلت صحيفة "فايننشال إكسبرس" عن مستقبل القيود السعودية المتعلقة بملابس النساء وتجريم نوادي السينما والكحول والمسارح.

ويعد هذا المشروع جزءا من رؤية 2030 لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الساعية إلى إحداث نقلة نوعية "في مفهوم السياحة وقطاع الضيافة".

وقد أبدى البعض انزعاجهم من المشروع كونه يمثل انحرافا دينيا لا يناسب بلاد الحرمين التي تهوي إليها أفئدة المسلمين من كل صوب وحدب.

وتساءل صاحب حساب "أبو وفي" في تويتر: "عندما يقال إن هذه الجزر التي سيبنى عليها المشروع سيكون نظامها مغايرا للنظام المعمول به في السعودية فما هو المقصود؟".

وكتب المحامي حواس الشمري ساخرا "على ذمة التايمز البريطانية سيسمح بارتداء البكيني في #مشروع_البحر_الأحمر، علمانية يا #إخوان علمانية!".

وقال حساب "كشكول" إن المشروع المعلن عنه "مثله مثل مزارع القمح والمدن الصناعية، كل واحد يجي يخترع له فنكوش ينهبنا فيه ويترك لنا ضررا إستراتيجيا لا يمكن إزالته".

‪تطوير السياحة يحتل حيزا مهما في رؤية السعودية 2030‬ (الجزيرة)
‪تطوير السياحة يحتل حيزا مهما في رؤية السعودية 2030‬ (الجزيرة)

قبلة التوحيد
ولأن السعودية طالما قدمت نفسها على أنها قبلة للتوحيد وفق نهج ديني لا يتسامح مع التصوف والموسيقى وزيارة القبور فقد يبدو متعارضا أن تبدي زينتها للأجانب وتفتح جزرها وشواطئها أمام السياح من مختلف الثقافات، حسب ما يقول بعض المحللين.

ومن منظور آخر، عبرت شرائح مجتمعية عن نكدها إزاء الترويج لهذه المشاريع في وقت يواجه فيه السعوديون وضعا ماديا صعبا حيث تطوقهم ديون البنوك وترهقهم الإيجارات.

ولكن كثيرين احتفوا بالمشروع الجديد وأكدوا ثقتهم المطلقة في طموح ولاة الأمر وسعيهم إلى تطوير قطاع السياحة وتوظيفه في رفد مداخيل الدولة من أجل تشكيل بديل لعائدات النفط.

وكتب الدكتور أحمد العيسى على تويتر "نبارك للوطن إطلاق #مشروع_البحر_الأحمر الذي سيغير المعادلة السياحية في المنطقة.. شكرا لنائب خادم الحرمين الشريفين على هذه الإضافة الجميلة".

واعتبر علي محمد أن المشروع إنجاز آخر يضاف إلى الإنجازات السعودية العديدة، وسيثري تنوع الموارد ويزيد عمق وصلابة الاقتصاد السعودي.

وقال الدكتور حامد بن مالح إن "المشروع يجمع بين الإرادة وروح التنافسية لمواكبة التنمية الشاملة والمستدامة والاستفادة مما ينفق من أموال طائلة على السياحة الخارجية".

بيد أن السؤال هنا هو: هل الرياض تستطيع بهذا المشروع إقناع السياح بأن المملكة توفر بدائل أفضل من باريس وبالي وبودابست.

كما يدور تساؤل عن قدرة الخزينة السعودية على إنجاز هذا المشروع المكلف بعد أن التزمت الرياض بدفع أكثر من أربعمئة مليار دولار للولايات المتحدة مقابل صفقات سلاح ومشاريع استثمارية يرى مراقبون أن الهدف منها كسب ود الرئيس الأميركي دونالد ترمب أو تجنب سخطه على الأقل.

كما تكلفت السعودية أموالا طائلة في حرب تقودها في اليمن ضد جماعة الحوثي التي انقلبت على الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي في سبتمبر/أيلول 2014.

ويتجلى العسر السعودي في الاستعداد لبيع جزء من مطار الرياض الدولي وطرح أسهم شركة أرامكو النفطية في البورصة.

بيد أن كثيرين يرون أن السعودية بالذات ليست بحاجة إلى هذا النوع من السياحة فقد يكون ضره أقرب من نفعه، في حين يمكنها تطوير خدمات القطاع الديني وتبني المزيد من الانفتاح على زوار المشاعر المقدسة والآثار العربية والإسلامية، مما سينعكس إيجابا على الاقتصاد.

‪السعودية أعلنت عن خطط جديدة لتطوير قطاع الترفيه‬ (الجزيرة)
‪السعودية أعلنت عن خطط جديدة لتطوير قطاع الترفيه‬ (الجزيرة)

مداخيل الحج
وتوضح المعلومات المتوفرة أن مداخيل السعودية من الحج والعمرة بلغت في عام 2012 وحده أزيد من 62 مليار ريال، أي ما يعادل 17 مليار دولار.

وإذا ما اقتنع ولاة الأمر ورجال العلم بأنه لا معصية في الوقوف عند المعالم وبين المقابر فإن أفواج المسلمين ستنفق أموالا كثيرة على زيارة بيت النبوة الأول ودار الندوة في مكة المكرمة وأضرحة الشهداء والخلفاء وساحات الغزوات في المدينة المنورة وغيرها من مناطق الحجاز.

لكن مداخيل السياحة ليست وراء كل ما يعتمل في السعودية من سياسات وتطورات تبشر بعهد جديد يواصل فيه ولاة الأمر بسط نفوذهم على شؤون الحياة دون الحاجة لمؤازرة رجال الدين.

ويرى كثير من المتابعين للشأن السعودي أن المملكة باتت على أعتاب ترتيبات اجتماعية ودينية تتجه نحو السياحة والرياضة والترفيه لتنفيس غضب الشباب، على أن تبقى أبواب السياسة موصدة أمام الطامحين للتغيير.

هذه الترتيبات تتسق على ما يبدو مع تصريح سفير الإمارات في واشنطن بأن بلاده والسعودية ودولا أخرى تطمح للتحول إلى مجتمعات علمانية خلال السنوات العشر المقبلة، في حين ترفض قطر السير في هذا الاتجاه، على حد تعبيره.

وقبل أيام ظهرت شابة سعودية بتنورة قصيرة تبدو وكأنها في شارع هولندي، ولكنها كانت تتجول في سوق تراثية بمنطقة نجد حيث اشتد عود الوهابية لأكثر من ثلاثة قرون.

ورغم أن المشهد صدم كثيرين وأثار جدلا واسعا في المجتمع فإن النائب العام سرعان ما أطلق سراح "فتاة التنورة القصيرة" وأغلق القضية بشكل كامل.

ولعله من المفيد التذكير بأن التقرير الحقوقي الأخير لوزارة الخارجية الأميركية أشاد بالتغييرات التي أدخلتها السعودية على المناهج الدينية مع تشديده على أن واشنطن ما زالت تتوقع المزيد من الرياض في هذا الاتجاه.

المصدر : الجزيرة