منح العفو.. رخصة إسرائيلية لقتل الفلسطينيين

ضغوطات على قيادة الجيش الإسرائيلي لمنع العفو عن الجندي أزاريا قاتل الشريف.
الصحافة الإسرائيلية سلطت الضوء على قضية العفو عن الجندي أزاريا قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف
محمد محسن وتد-أم الفحم

تحولت الدعوات الإسرائيلية بمنح العفو للجندي إليئور أزاريا بعد إدانته بقتل الشهيد عبد الفتاح الشريف إلى اتهامات لمعسكر اليمين بتوفير الشرعية للجنود الإسرائيليين والمستوطنين بقتل أي فلسطيني بذريعة مكافحة الإرهاب.

وقد وجد القضاء العسكري الإسرائيلي نفسه محرجا أمام توثيق الكاميرات جريمة الجندي القاتل الذي أطلق النار على رأس الشريف في 24 مارس/آذار 2016 في مدينة الخليل بالضفة الغربية، وسعى لاستنفاذ كافة الإجراءات القضائية وأصدر حكما مخففا لمنع الفلسطينيين من تحريك دعاوى بالمحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب.

وشكل اندلاع الهبة الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أكتوبر/تشرين الأول 2015، منحى تصعيديا لدى جنود الاحتلال بسهولة الضغط على الزناد، حيث قتل برصاص جيش الاحتلال 344 شهيدا وشهيدة حتى نهاية يوليو/تموز الماضي، دون محاكمة أي جندي.

كما تضاعف إرهاب المستوطنين وجرائم عصابات "تدفيع الثمن"، التي نفذت خلال العامين الأخيرين نحو تسعمئة جريمة على جانبي الخط الأخضر، ولعل أبرزها ارتكاب مستوطنين متطرفين محرقة عائلة دوابشة في قرية دوما قضاء نابلس بالضفة الغربية المحتلة، وإحراق الفتى محمد أبو خضير من مخيم شعفاط بالقدس.

بالمقابل، تعالت الأصوات الإسرائيلية المطالبة بإعدام الفلسطينيين، خاصة عقب عملية "حلميش" التي نفذها عمر العبد من قرية كوبر قرب رام الله، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين وأتت ردا على نصب الاحتلال البوابات الإلكترونية والكاميرات بالأقصى.

‪كلير: الجيش الإسرائيلي بأحكامه وإجراءاته المخففة يقول للجنود اقتلوا الفلسطينيين لكن بعيدا عن الكاميرات‬  (الجزيرة)
‪كلير: الجيش الإسرائيلي بأحكامه وإجراءاته المخففة يقول للجنود اقتلوا الفلسطينيين لكن بعيدا عن الكاميرات‬  (الجزيرة)

إعدامات ميدانية
خلافا للطرح المعلن الذي يروج باستنفاذ إسرائيل للمسار القضائي العسكري والمدني مع الجنود والمستوطنين ممن توثق ارتكابهم جرائم بحق الفلسطينيين، يجزم المتحدث باسم "كتلة السلام الآن" آدم كلير بأن هناك شبه إجماع إسرائيلي على المستوى السياسي والجماهيري بتفهم هذه الأعمال وشرعنتها، إذ تأتي المحاكمات بتل أبيب لتفادي تحريك دعاوى ضد الجنود والمستوطنين بالمحافل الدولية.

فرغم التباين بالطروحات والسجال حيال المحاكمة العسكرية للجندي القاتل، لكن ثمة اتفاق بإسرائيل، يقول كلير للجزيرة نت "على ضرورة منحه العفو، فما يحصل على المستوى السياسي والعسكري ما هو إلا تلون وأشبه بمسرحية، فمن ناحية معسكر اليمين يوظف المحاكمة وقتل الفلسطينيين لتحقيق مكاسب سياسية، بينما الجيش يسعى لتلميع صورته على أنه الجيش الأخلاقي، لكنه بأحكامه وإجراءاته يقول للجنود اقتلوا الفلسطينيين لكن بعيدا عن الكاميرات".

غير أن كلير يعتقد أن المشكل الأساس ليس مع الجندي القاتل أزاريا، وإنما مع الاحتلال برمته الذي يتعامل بتمييز وتفرقة بين الدم الإسرائيلي والدم الفلسطيني الذي يستبيحه ويصر على سفكه، في حين تتعالى الأصوات بالمؤسسة الإسرائيلية التي تطالب القضاء العسكري بفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين الضالعين بعمليات ضد الاحتلال والمستوطنين.

وبعيدا عن الملفات القليلة جدا التي حُركت بالقضاء الإسرائيلي، يجزم كلير أن هناك العشرات من الجنود الإسرائيليين ساروا منذ اندلاع الهبة الشعبية على نهج الجندي أزاريا ونفذوا إعدامات ميدانية لفلسطينيين بزعم تنفيذ عمليات طعن أو دعس، لكن الفارق أن أعمالهم لم توثقها الكاميرات وملفات التحقيق أغلقت بداخل الوحدات العسكرية بذريعة أن الجنود كانوا بدائرة الخطر والاستهداف.

‪الطفل أحمد دوابشة بحضن جده، وهو الطفل الوحيد الذي نجى من إرهاب المستوطنين الذين أضرموا النيران في منزل العائلة‬ (الجزيرة)
‪الطفل أحمد دوابشة بحضن جده، وهو الطفل الوحيد الذي نجى من إرهاب المستوطنين الذين أضرموا النيران في منزل العائلة‬ (الجزيرة)

جريمة بلا عقاب
فلسطينيا، في قرية دوما بقضاء نابلس يُحيي السكان الذكرى الثانية لمحرقة عائلة دوابشة التي استشهد خلالها ثلاثة من أفراد العائلة، إذ يستذكر نصر مشاهد إضرام المستوطنين النيران بمنزل شقيقه والمعاناة التي تعيشها العائلة مع الطفل أحمد الناجي الوحيد من جريمة المستوطنين.

واستعرض نصر التحديات التي تواجه العائلة أمام القضاء الإسرائيلي الذي يسعى لإصدار عقوبات مخففة على القتلة، وقبول الدعوى القضائية التي قدمها مركز ميزان باسم العائلة، بإلزام وزارة الدفاع الإسرائيلية دفع التعويضات لكن دون الاعتراف بالمسؤولية عن الجريمة، الأمر الذي ترفضه العائلة.

وأوضح نصر دوابشة في حديثه للجزيرة نت أن ما يحصل هو تقاسم أدوار بين المؤسسة الأساسية الإسرائيلية وجيش الاحتلال الذي يوفر الحماية للمستوطنين بالعربدة واستهداف الدم الفلسطيني، وذلك بقصد فرض الهجرة القسرية على الفلسطينيين وإرغامهم على ترك أراضيهم وبلدانهم.

ويعتقد أن مجرد طرح فكرة منح العفو للجنود وللمستوطنين ممن يقتلون الفلسطيني يعد بمثابة منح رخصة لاستباحة الدم الفلسطيني، فليس صدفة أن المئات من الفلسطينيين أعدموا ميدانيا خلال الهبة الشعبية، مؤكدا أن الجريمة بلا عقاب، بل يتحول منفذها إلى بطل قومي بنظر المجتمع الإسرائيلي ويحظى بحماية ورعاية وحصانة تحول دون محاكمته.

المصدر : الجزيرة