دعوة السبسي للمساواة بالإرث تثير جدلا واسعا بتونس

Tunisian President Beji Caid Essebsi delivers a speech in Tunis, Tunisia May 10, 2017. REUTERS/Zoubeir Souissi
السبسي طالب بتغيير مرسوم إداري صادر من عهد بورقيبة يمنع زواج التونسية من غير المسلم (رويترز-أرشيف)
أثار الخطاب الذي ألقاه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بمناسبة العيد الوطني الـ61 للمرأة التونسية الأحد الماضي، جدلا مجتمعيا واسعا في صفوف الأحزاب ومختلف الأطياف السياسية بالبلاد وحتى خارجها، وامتد إلى منصات التواصل الاجتماعي.
 
وتضمن خطاب السبسي مبادرة لمساواة الرجل والمرأة في المجالات كافة بما فيها الإرث، كما طالب بتغيير مرسوم إداري صادر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة يمنع زواج التونسية بأجنبي قبل إشهار إسلامه.
 
وحرص السبسي في خطابه على التذكير بتمسكه بالمرجعية الدينية، وشدّد قائلا: "إني لمتيقن أن العقل الإيماني الإصلاحي القانوني التونسي سيجد الصيغ الملائمة التي لا تتعارض لا مع الدين ومقاصده ولا مع الدستور ومبادئه".
 
ووفق بيان للرئاسة، قررالسبسي تشكيل لجنة "الحريات الفردية والمساواة"، لكي تتولّى إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة.
 
‪جمعيات نسائية تونسية اعتبرت مبادرة الرئيس السبسي خطوة في الاتجاه الصحيح‬ (رويترز)
‪جمعيات نسائية تونسية اعتبرت مبادرة الرئيس السبسي خطوة في الاتجاه الصحيح‬ (رويترز)

ترحيب وتأييد
وأعربت حركة نداء تونس -وهي حزب الرئيس السبسي، ولها 58 نائبا من أصل 217- في بيان، استعدادها لإنجاح النقاش حول ما سمته منظومة تشريعية "تحقق الغايات الإصلاحية بالتوازن بين الالتزام باحترام مبادئ عقيدتنا الإسلامية السمحاء، وبين ما نص عليه الدستور ويبيحه الاجتهاد وتؤكده قيم العصر".

بدورها، رأت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة (مستقل) راضية الجربي -في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات)- أن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة قابلة للتنفيذ في تونس طبقا للدستور.

كما أعلنت دار الإفتاء التونسية عن تأييدها لمقترحات السبسي، ووصفتها بأنها "مقترحات تدعم مكانة المرأة، وتضمن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، التي نادى بها الدين الإسلامي".

ورحّبت جمعيات تونسية قريبة من اليسار -في بيان مشترك- بمبادرة الرئيس، ورأت أنها في تناغم مع دستور البلاد الداعي صراحة إلى تكريس المساواة التامة بين المرأة والرجل.

ووقّع على هذا البيان تسع جمعيات في مقدمتها "جمعية النساء الديمقراطيات" و"النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين" و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، كما رحبت جمعيات مهتمة بحقوق المرأة بالمبادرة واعتبرتها خطوة في الاتجاه الصحيح.

ولم تصدر حركة النهضة (69 نائبا) حتى اليوم أي تعقيب أو بيان يتضمّن موقفها الرسمي من مبادرة السبسي، وقال رئيس المكتب السياسي للحركة نور الدين العرباوي إنها "لا ترى أي إشكال في طرح موضوع المساواة في الإرث بين المرأة والرجل، طالما أن هذه المسألة ستطرح ضمن ثوابت الدستور وفي إطار الالتزام بنص الإسلام وروحه".

وأكد أن العمل الذي ستقوم به لجنة الحريات الفردية والمساواة "لا يتعارض مع الدين الإسلامي أو مع مقاصده، ولا مع الدستور ومبادئه".

‪حمادي الجبالي: مبادرة السبسي تخرق الفصل الأول من الدستور التونسي‬ (الجزيرة)
‪حمادي الجبالي: مبادرة السبسي تخرق الفصل الأول من الدستور التونسي‬ (الجزيرة)

رفض وعرائض
ويرى المعارضون لمبادرة السبسي أن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، مستندين إلى الآية الكريمة "للذكر مثل حظ الأنثيين".

ورفضت "الجمعية التونسية لأئمة المساجد" (مستقلة) مبادرة الرئيس، ووصفتها بأنها "اتهام صريح لشرع الله بعدم صلاحيته لواقعنا، وبظلمه للمرأة وعدم إنصافها"، ودعت -في بيان صحفي- الأئمة لتخصيص خطب الجمعة لبيان خطورة هذا الإجراء.

وفي رد فعل أكثر حدة، أطلق حزب "تيار المحبة" (نائبان في البرلمان) الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق المقيم في لندن الهاشمي الحامدي، عريضة شعبية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تطالب مجلس نواب الشعب بسحب الثقة من الرئيس وعزله بتهمة "مخالفته الصريحة للدستور".

ووصفت ثمانية أحزاب ومنظمات قومية عربية -في بيان مشترك- الدعوة إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة وتشريع زواج المسلمة من غير المسلم، بأنها "تطاول على القرآن، وهدم لأحكامه المقدسة لغايات انتخابية مفضوحة".

وفي ردود أفعال أخرى، وصف الرئيس السابق منصف المرزوقي -في تدوينة على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"- مبادرة السبسي بأنها "عملية سياسية بامتياز للتعمية على الإخفاق المهين للرجل ولحزبه".

واعتبر أن القضايا التي أثارها السبسي في خطابه تهدف إلى "خلق شرخ بين التونسيين"، وأنها مبادرة موجهة ضد حركة النهضة وجاءت "لمزيد من إذلال النهضة وإضعافها".

من جهته اعتبر رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي مبادرة الرئيس دعوة إلى "خرق الدستور في فصله الأول"، الذي ينص على أن "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها"، ولا يجوز تعديل هذا الفصل.

وتساءل الجبالي في تدوينة على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، بقوله "أين هذه القضايا المثارة من اهتمامات وأولويات شعبنا، ومن قضاياه المصيرية ومشاكله المتفاقمة؟".

 
‪الجورشي: الحوار والنقاش المجتمعي حول المبادرة هو الأهم في المرحلة الحالية‬ (الجزيرة)
‪الجورشي: الحوار والنقاش المجتمعي حول المبادرة هو الأهم في المرحلة الحالية‬ (الجزيرة)

الحوار المجتمعي
ويرى الإعلامي صلاح الدين الجورشي -عضو لجنة الحريات الفردية والمساواة التابعة لرئاسة الجمهورية- أن السبسي بمبادرته هذه "يطمح إلى دخول التاريخ من زاوية ما توقف عنده الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، بعدم مساسه بمسألة الإرث في مشروعه لإصلاح أوضاع الأسرة".

وأوضح الجورشي -في حديث للأناضول- أن ما عبر عنه الرئيس حتى الآن، هو "مجرّد رغبة"، معتبرا أن النقاش المجتمعي هو الأهم، وأن"على التونسيين أن يكوّنوا رأيا عاما حول المبادرة معها أو ضدها، وهو ما قد يفضي إلى تعديلات قد تعزز حقوق المرأة التونسية".

من جانبه، رحب الباحث في مركز البحوث والدراسات الاجتماعية والاقتصادية سامي براهم، بفتح مجال الحوار لعموم المواطنين حول قضية مطروحة داخل ما وصفها بـالنخبة، حتى إن  كانت مبادرة السبسي وراءها غايات انتخابية دعائية على حد قوله.

واعتبر أن مبادرة السبسي هي اختبار لمدى قدرة المجتمع على الدفاع عما يعتقده من الثوابت والهوية، واختبار لمدى التزام حركة النهضة بخيار التخصص السياسي الذي أقرته في لوائح مؤتمرها العاشر المنعقد في مايو/أيار 2016، واختبار لمعرفة المدى الذي سينجح فيه التونسيون في خوض جدل يتعلق بمشروع وطني يحتل الدين والمرجعية الحداثية مكانة مهمة فيه، على حد قوله.

يذكر أنه في عام 2016، تقدم 27 نائبا في البرلمان من كتل برلمانية مختلفة بمبادرة تشريعية تتعلق بتحديد نظام المنابات في الميراث، تتضمن ثلاثة بنود وتقر المساواة في الإرث بين المرأة والرجل. ولاقت المبادرة معارضة شديدة داخل البرلمان، وتوقفت النقاشات حولها منذ أشهر دون تقديم مبررات لذلك.

المصدر : وكالة الأناضول