ماذا يعني اعتراف حكومة الجزائر بفشل الاستثمار؟

رئيس الوزراء عبد المجيد تبون أثناء عرض برنامج عمل حكومته الجديدة على البرلمان.
عبد المجيد تبون عرض مؤخرا برنامج حكومته على البرلمان الجزائري (الجزيرة)

عبد الحميد بن محمد-الجزائر

فاجأ رئيس الوزراء الجزائري الجديد عبد المجيد تبون أعضاء مجلس الأمة (الغرفة العليا في البرلمان)، عندما كشف أن ما يقارب 700 مليون دولار ذهبت أدراج الرياح في مشاريع استثمارية فاشلة لم تعد بأية فائدة على الاقتصاد.

وبينما رأى البعض في كلام تبون شجاعة في قول الحقيقة والاعتراف بأخطاء الحكومات، رأى آخرون أن التصريح انتقاد واضح لحكومة عبد المالك سلال السابقة.

كما ذهب فريق ثالث إلى أن هذه التصريحات تشير للاعتراف بالفساد ونية السلطات في فتح ملفاته ومعاقبة المتسببين فيه.

ويقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر نور الدين بكيس إن تصريحات رئيس الحكومة محاولة لتهدئة الجبهة الاجتماعية وتخفيف الاحتقان، تحضيرا للانتخابات الرئاسية القادمة.

كما يستبعد في حديث للجزيرة نت أن تكون التصريحات اتهاما للحكومة السابقة التي كان يرأسها عبد المالك سلال طالما أن 15 وزيرا حاليا على الأقل كانوا أعضاء فيها، "بل إن تبون نفسه كان من أبرز وزرائها".

ويعتقد بكيس أن السلطة تجد صعوبة كبيرة في المراهنة على القطاع العام بعد سلسلة الإخفاقات والفضائح التي شهدها.

وكذلك لا تريد الحكومة تشجيع وتحرير القطاع الخاص لكي لا ينافسها في تقاسم السلطة مستقبلا، "فهي تريد قطاعا خاصا تحت السيطرة لذلك سمحت بتحرير نسبي وتحت وصاية شخصيات محسوبة على فلك السلطة".

صناعة النفط والغاز تدر أموالا طائلة على الاقتصاد الجزائري (رويترز)
صناعة النفط والغاز تدر أموالا طائلة على الاقتصاد الجزائري (رويترز)

تبذير الموارد
من جانبه، يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر عبد القادر مشدال أن ما تم تقديمه من مساعدات لقطاع الصناعة على امتداد سنوات طويلة يقدر بعشرات المليارات من الدولارات تحت أسماء مختلفة، مثل محو الديون أو مساعدات للقطاع العام أو في إطار سياسة إعادة بعث الصناعة.

وبحسب مشدال فإن النتيجة الوحيدة لتلك السياسات هي تبذير موارد الدولة، "فلا الصناعة ولا القطاع العام ولا التنافسية انتعشت، وبقي الاقتصاد أسيرا لقطاع النفط".

ومع ترحيبه بإعلان عبد المجيد تبون باتباع سياسة دعم مشاريع المؤسسات الصغيرة والمصغرة، فإن مشدال يدعو للتريث إلى حين الكشف عن كافة الإجراءات "كي نعرف إن كان الاقتصاد سيتجه فعلا إلى وجهة جديدة أم لا".

أما أستاذ الاقتصاد في جامعة البليدة فارس مسدور، فيستشرف من تصريحات رئيس الحكومة نيته البحث في تركة وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب ومن على شاكلته، "خاصة بعد بروز بوادر فساد خطير من حوله".

‪الجزائر بدأت قبل أعوام الاستثمار في قطاع صناعة السيارات‬ (رويترز)
‪الجزائر بدأت قبل أعوام الاستثمار في قطاع صناعة السيارات‬ (رويترز)

محاسبة المفسدين
ويرى أن الكشف عن حجم الأموال المهدورة ستعقبه أفعال، "لا سيما بعد الإعلان عن تشكيل لجنة لمتابعة الإنفاق العام ستتابع كل صغيرة وكبيرة في مجال الاستثمارات".

ويؤيد مسدور توجه الحكومة لتمويل المشاريع الصغيرة بدل الكبرى، "لأن فكرة تمويل المؤسسات الكبرى خطر كبير جدا وتعني أيضا العودة إلى أخطاء فادحة ارتكبناها في مرحلة السبعينيات ودفعنا ثمنها في التسعينيات".

من جهته، يقول الخبير المالي نبيل العربي إن الرقم المذكور على لسان رئيس الوزراء يفوق سبعين مليار دينار، "لأن محافظ بنك الجزائر المركزي محمد لكصاصي كان أعلن قبل عزله عن 75 مليار دينار منحت لدعم مشاريع في القطاعين العام والخاص".

واستغرب العربي منح هذه الأموال الطائلة دون أن يكون للبنك المركزي مؤسسة تقييم، تمنح على أساسه القروض للشركات.

ويقول إن المؤسسات المستفيدة لم تكن تقدم دراسات جدوى للمشاريع الاستثمارية، متسائلا عن وجهة كل تلك الأموال التي صرفت.

ويعزو العربي فشل هذه المشاريع إلى ضعف النظام المالي في الجزائر والتوزيع غير العادل للأموال ومن دون دراسة.

المصدر : الجزيرة