الطبقة الوسطى بمصر تعود للمصايف الشعبية

الوصول لمياه البحر بات حكرا على القادرين على الدفع دون غير القادرين من المصريين.
ازدحمت الشواطئ الشعبية بالمصيفين أضعاف الأعوام الماضية لعودة مصيفي الطبقة الوسطى لها بعد هجرانها (الجزيرة نت)

ياسر سليم-القاهرة

لم تسلم الأستاذة الجامعية منار الطنطاوي من مداعبة صديقاتها لها بسخرية، حينما كتبت على صفحتها بفيسبوك مخاطبة زوجها المعتقل لدى السلطات المصرية هشام جعفر "لو تنسمت الحرية هذا الصيف، أعدك بأن نصيف في جمصة".

ولم يعد التصييف بجمصة في محافظة دمياط (شمال) مثار سخرية واسعة لمتوسطي الدخل كما كان قبل سنوات، رغم أن السفن الداخلة لقناة السويس تصرّف مخلفاتها قرب الشاطئ، حسب تقارير بيئية.

وعادت جمصة وميامي والعجمي ـبالإسكندرية شمالاـ وبلطيم -بكفر الشيخ شمالا أيضا- وغيرها من وجهات التصييف الشعبية، لتجتذب الشريحة المتوسطة مجددا، بعد ضغوط الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بالبلاد.

وكانت تلك الطبقة قد نزحت في العقدين الماضيين لمناطق أبعد وأهدأ وأرقى، كمارينا شمالا والعين السخنة والغردقة شرقا وشرم الشيخ جنوب سيناء

‪‬ شباب بشاطئ ميامي في الإسكندرية اصطادوا قنديل البحر الذي انتشر مؤخرا بكثرة في السواحل المصرية(الجزيرة نت)
‪‬ شباب بشاطئ ميامي في الإسكندرية اصطادوا قنديل البحر الذي انتشر مؤخرا بكثرة في السواحل المصرية(الجزيرة نت)

شواطئ شعبية
وفي جولة سريعة بشواطئ ميامي وسيدي بشر بالإسكندرية يسهل ملاحظة الزحام المتزايد على الشواطئ، ويقول إسلام إبراهيم ـوهو موظف- ازدحم شاطئ ميامي بالمصيفين أكثر من أي عام مضى، كما امتلأت مياهه بقناديل البحر، وأضاف في حديثه للجزيرة نت "بصعوبة أجد كراسي ومظلة لأسرتي، رغم أنني أدفع أحد عشر جنيها (نحو ستين سنتا) عن كل فرد للدخول، بخلاف ما أدفعه لتأجير المظلات والكراسي".

وتقول إيمان عبد العال -وهي موظفة- "رضخنا لضغوط الأبناء وقررت أنا وزوجي أن نتجه للمصيف بعد أن تعاهدنا أنه لا مصايف هذا العام توفيرا للنفقات"، وتضيف للجزيرة نت "ذهبنا إلى العجمي واخترنا شاطئ النخيل المجاني رغم التحذيرات من كثرة قناديل البحر ودوامات سحب تغرق السابحين، وكنت قلقة جدا على أبنائي".

وغرق أحد عشر شخصا بشاطئ النخيل غربي الإسكندرية في الأسابيع الثلاثة الماضية، حسب إحصاءات غير رسمية، وأوضحت جمعية 6 أكتوبر، المسؤولة عن إدارة شاطئ النخيل عدم مسؤوليتها عن إنقاذ الغرقى في الشاطئ مؤخرا، مؤكدة في بيان أن "الضحايا غرقوا في غير أوقات العمل الرسمية لها".

المجانية خطيرة
وتقبل الشريحة المتوسطة على شاطئ النخيل لمجانيته، ووفق بيانات إدارة السياحة والمصايف بالإسكندرية يتاح مجانا ستة شواطئ هذا العام بزيادة شاطئ واحد عن العام الماضي من بين 44 شاطئا برسوم، ويقول رواد لهذه الشواطئ المجانية إنها "الأسوأ والأخطر".

‪الوصول لمياه البحر بات حكرا على القادرين على الدفع دون غير القادرين من المصريين‬ (الجزيرة نت)
‪الوصول لمياه البحر بات حكرا على القادرين على الدفع دون غير القادرين من المصريين‬ (الجزيرة نت)

وبلغ "متوسط تأجير الشقة المفروشة المكونة من غرفتين وصالة نحو مئتي جنيه لليوم الواحد (أحد عشر دولارا)، حسب هاني أبوالحجاج، وهو سمسار وحارس لأحد العقارات بمنطقة سيدي بشر بالإسكندرية، وتتقارب معظم الأسعار بمختلف وجهات التصييف المختلفة وفق سماسرة تواصلت معهم الجزيرة نت، و"تنخفض في رأس البر بدمياط لخمسين جنيها لليلة (نحو أربعة دولارات)، ومثلها في فايد بمحافظة الإسماعيلية شرقا وجمصة.

وقال عضو لجنة السياحة بالبرلمان محمد المسعود إن زيادة أسعار الفائدة على الإيداع والاقتراض ترفع أسعار المنتجات والخدمات الفندقية، مشيرا في تصريحات صحفية إلى أن "السياحة الداخلية تعتمد بشكل أساسي على محدودي الدخل من الطبقة المتوسطة التي بدأت في التآكل لثبات مستوى الأجور عامة مع ارتفاع تكاليف المعيشة يوميا بزيادة معدلات التضخم".

ويلقي المحلل النفسي والاجتماعي أحمد عبد الله باللائمة على السلطة والمجتمع المدني في "حرمان أعداد متزايدة من المصريين من حق الترفيه"، ولفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن "السلطة ينبغي عليها توفير الترفيه بعدالة، فتجعل الاستمتاع بالبحر مشاعا، حتى لا يشعر المواطنون باختلال الميزان لصالح طبقة تستأثر بكل شيء لأنها قادرة على الدفع، فحتى في عصور الاحتلال لم يحرم المصريون من شطآنهم".

أما ما يخص المجتمع المدني المتمثل في الجمعيات والنقابات فيشير عبد الله إلى أنه يجب عليها توفير الترفيه لأعضائها بتيسيرات تتيح التصييف حتى للطبقات الدنيا، لأنه بات على المواطن الآن أن يكون جزءا من تجمع ما أو طبقة معينة، لكي يستطيع الاستمتاع بشواطئه التي هي ملكه، حسب عبد الله الذي يلتمس العذر لهذه المؤسسات حاليا في الوضع الراهن الخانق للعمل الأهلي.

المصدر : الجزيرة