"تميم المجد".. جداريات الصمود ضد حصار قطر

محمد الشياظمي-الدوحة

غزت جدارية "تميم المجد" التي رسمت عليها صورة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واجهات ناطحات السحاب ونوافذ السيارات والقمصان وأغلفة الهاتف المحمول بشكل ملفت، وداخل المجمعات التجارية والشركات ومؤسسات الدولة.

وأضحت هذه الجداريات مساحة لإعلان التضامن من المواطنين والمقيمين بلغات مختلفة ترفض الحصار المفروض على قطر من بعض جيرانها، وتجدد العهد مع القيادة.

في وجه الحصار
"كلنا تميم"، و"هذي قطر تاريخها يرفع الراس"، و"الله الوطن الأمير"، و"اللهم اجعلنا ممن تحبهم شعوبهم ونبادلهم حبا بحب"، و"قطر الحب والعطاء"، عبارات أفقدت الحصار معناه، كما أن بعض المقيمين رسموا إلى جانب عبارات التضامن أعلام دولهم، إظهارا لتعاطف بلدانهم مع قطر، ومساندة حقها في الرفض والتصدي لمفتعليه.

في أحد المجمعات التجارية نصبت جدارية "تميم المجد"، التي أبدعها الرسام القطري أحمد المعاضيد، حيث ينتظم الموقعون انتظاما مشهودا ليسجلوا كلمات تنهل من قيم التضامن والتلاحم الشعبي، وتهمس في أذن المحاصِرين بأن كل حصار سيسقط لا محالة وإن طال.

بعض من صرح للجزيرة نت، أكدوا أن هذه الجداريات وبما تحمله من كتابات عفوية هي عنوان للحظة توحدت فيها المواقف، ورصت فيها صفوف جميع من يعيش على أرض قطر، بل إن هذه الأيقونة التي عبرت حدود قطر غدت شعارا للحرية ورفض الوصاية.

وأشار آخرون إلى أن أيقونة "تميم المجد" تعبر في جوهرها عن لحظة كبرياء وشموخ أصبحت تستفز بعض الجيران، في تلميح إلى ما تعرض له مواطن عماني قبل أيام تم منعه من عبور الحدود البرية إلى السعودية بحجة أن سيارته تحمل صورة "تميم المجد"، وآخر اعتقل في دولة جارة لأن تلك الصورة كانت تغطي ظهر هاتفه المحمول.

يقول أحدهم "لم نعتقد يوما أننا سنحاصر من جيراننا الذين تجمعنا بهم أكثر من آصرة وثيقة، ونحن نرى أن هذه محنة نمر بها جميعا ونستهجنها، لكننا سنواجهها بقيمنا وأخلاقنا وهو ما تجسده جدارية تميم المجد في بعدها الرمزي".

حتى الأطفال يشاركون في حملة التوقيعات على جدارية تميم المجد (الجزيرة نت) 
حتى الأطفال يشاركون في حملة التوقيعات على جدارية تميم المجد (الجزيرة نت) 

الرمزية والدلالة
في تصريح للجزيرة نت، يقول الأستاذ بقسم الإعلام بجامعة قطر محمد الأمين موسى إن هذه الجداريات تعبّر عن رمزية متعددة الأوجه المتمايزة، التي تحيل إلى مجموعة من القيم والمشاعر والانفعالات، كالتضامن والثقة والدعم والتماهي مع القيادة وحب الوطن وفدائه والاصطفاف والمؤازرة، خاصة في حالات الإحساس بالظلم المفضي إلى الدفاع عن النفس.

ويضيف موسى أن قيمة المشاركة في الجداريات لا تتحدد بعدد المشاركين فيها، بل بتلقائيتها والنظر إليها كشكل من أشكال تجديد العقد الاجتماعي بين القيادة والشعب، والنظر إليها كفعل تواصلي ضمن أفعال أخرى تشمل الملصقات والدعاء، والصبر على البلاء، وطيف من المخزون الوطني الممتد.

ويعتبر الأمين موسى الباحث في مجال الاتصال، أن جماليات المشاركة في الجداريات تكمن في فعل الكتابة الذي ينطلق من الوجدان، فيرسم كلمات ترمز لموقف صادق يسعى للخلود، وهو من الحالات الوجودية التي تتجلى فيها محبة الأوطان من خلال محبة رموزها، ودعم قادتها وشد أزرهم.

‪‬ توقيعات المواطنين والمقيمين على جدارية تميم المجد(الجزيرة نت)
‪‬ توقيعات المواطنين والمقيمين على جدارية تميم المجد(الجزيرة نت)

اختيار شعبي
يبقى الملفت في الجداريات التي أصبحت جزءا من ديكور شوارع الدوحة خاصة، أنها منحت فرصة للناس لتسجيل مواقفهم والتعليق بكل حرية على ما تتعرض له قطر من حصار بري وجوي وبحري، حتى وإن أثر عليهم الحصار بشكل مباشر أو غير مباشر.

كما أن ما ميز هذه الجداريات أيضا أنها تزينت برسوم وكتابات أطفال، انطلقوا بعفوية وصفاء لا محدودين في تجسيد أسمى عبارات الحب ونشر السلام.

وفي تصريح للجزيرة نت، يقول محمد حسن الجفيري المدرب في إعداد القادة إن الجداريات التي تتحدى الحصار، والتي اختارها الناس من تلقاء أنفسهم، قد وحدت معاني التضامن في هذه المرحلة، وقدمت دروسا للأجيال الصاعدة من خلال غرس قيم نبيلة عديدة.

وأضاف الجفيري أن فعل الكتابة والتدوين الحر على هذه الجداريات ينبع من حرية الرأي والتعبير، كما أنه نوع من التأريخ الشعبي البسيط لهذه اللحظة الدقيقة التي نعيشها جميعا، بكل معاني تجديد العهد والصبر والصمود.

وقد اضطر عدد من المؤسسات والشركات في الدوحة وخارجها إلى تغيير هذه الجداريات أكثر من مرة، بعدما غطتها توقيعات التضامن والمساندة، في وقت تستمر توقيعات المواطنين والمقيمين على أمل أن يرفع الحصار وتطوى صفحته إلى الأبد.

المصدر : الجزيرة