تناقض بالساحة السودانية إزاء العقوبات الأميركية

عماد عبد الهادي-الخرطوم

يكشف قرار الإدارة الأميركية القاضي بتمديد العقوبات الاقتصادية على السودان عن وجود موقفين متناقضين للسياسيين السودانيين، يدعو أحدهما لرفع العقوبات بينما يتطابق الآخر مع الخطوة الأميركية التي ترى أن الخرطوم ما زالت بعيدة بعض الشيء عن الإيفاء بالشروط التي وضعت لها.

وبعيدا عن هموم الشعب السوداني الذي فرضت عليه العقوبات كثيرا من القيود السياسية والاقتصادية، يتصارع سياسيوه في حلبة هي الأبعد عن معالجة تلك الهموم، كما يقول صديق عبد الرحمن المتقاعد من الخدمة المدنية.

وفرضت الإدارات الأميركية المتعاقبة عقوبات على السودان امتدت أكثر من عشرين عاما، تضررت بسببها كافة القطاعات الحيوية المهمة في البلاد.

وكان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أصدر قبيل مغادرته البيت الأبيض في 13 يناير/كانون الثاني 2017، قرارا بتخفيف العقوبات الأحادية على أن يتم رفعها نهائيا حال استيفاء السودان خمسة شروط (مسارات) بحلول 12 يوليو/تموز 2017.

‪خلافات السياسيين السودانيين تخالف التطلعات الشعبية المطالبة برفع العقوبات الأميركية عن بلادهم‬ (رويترز)
‪خلافات السياسيين السودانيين تخالف التطلعات الشعبية المطالبة برفع العقوبات الأميركية عن بلادهم‬ (رويترز)

المسارات الخمسة
وتشمل المسارات الخمسة: التعاون في مكافحة الإرهاب، وتسهيل وصول فرق الإغاثة إلى مناطق الصراع في السودان، وتحقيق السلام في جنوب السودان، وإنهاء الأعمال القتالية في مناطق النزاع في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.

وفي ما يشبه المفاجأة للحكومة السودانية التي كانت تبشر بقرب رفع العقوبات بعد تقارب ملحوظ بينها وبين واشنطن، قال وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور إن السودان قد أوفى بكل التزاماته باعتراف كل الجهات الأميركية.

وعلى الرغم من شهادته بأن "الإدارة الأميركية من خلال خطة المسارات الخمسة قد أوفت بكل ما عليها"، فإنه استدرك قائلا "ما عدا البند النهائي الخاص برفع العقوبات".

الوزير الذي كان يتحدث للصحفيين اليوم الأربعاء، عبّر عن تخوفه من أن يكون قرار إدارة ترمب "هو إعادة لما كنا نكرره دائما من أن الجانب الأميركي لا يصل إلى نهاية المطاف أبدا، ويحاول أن يقطع المسيرة في منتصفها".

وقال "نحن نشير إلى أنه إذا كان الأمر كذلك فإن السودان ليس عنده أكثر من ذلك ليقدمه"، مؤكدا أن السودان تعاون في كل الملفات الإقليمية والمحلية والدولية، "وبالتالي نأمل أن يراجع هذا القرار وترفع العقوبات الجائرة عليه".

ومع إصرار الصحفيين على السؤال عن حالة حقوق الإنسان في البلاد وما إذا كانت هي التي تسببت في إرجاء رفع العقوبات ثلاثة أشهر أخرى، قال الوزير "بند حقوق الإنسان ليس واحدا من البنود التي نناقشها مع الإدارة الأميركية وفقا لخطة المسارات الخمسة".

‪وزير الخارجية السوداني: الخرطوم تعاونت في كل الملفات الإقليمية والدولية‬ (الجزيرة)
‪وزير الخارجية السوداني: الخرطوم تعاونت في كل الملفات الإقليمية والدولية‬ (الجزيرة)

معاقبة الخرطوم
وانتهزت الحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال) فرصة تأجيل رفع العقوبات لتبدي ترحيبها بالقرار، بل إنها دعت واشنطن لبذل المزيد من الجهود لعقاب الخرطوم.

وبحسب بيان صادر عن أمينها العام ياسر عرمان -حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- فإن الضحايا والمدافعين عن حقوق الإنسان والنازحين والذين حرموا من المساعدات الإنسانية، من ضمن آخرين "سيستقبلون اليوم القرار بكثير من الفرح".

وكشف البيان أن موقف الحركة الثابت "ورؤيتنا بأن لا يتم رفع العقوبات، وأن يتم الربط عضويا بينها وبين تحقيق السلام العادل والديمقراطية، وبالديمقراطية التي يمكن من خلالها القضاء على الإرهاب".

وأضاف "تمنينا وعملنا على أن يمدد رفع العقوبات لمدة أطول على حكومة المؤتمر الوطني"، مشيرا إلى أن "قرار الإدارة الأميركية يتيح فرصة أفضل للوطنيين السودانيين لمواصلة النضال من أجل السلام والديمقراطية، بأجندة واضحة لإنهاء الدكتاتورية والإبادة الجماعية".

وينظر رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان السوداني علي محمود عبد الرسول بشيء من الثقة في عدم تأثير القرار على الاقتصاد السوداني، الذي قال إنه يقوم الآن على أرضية العقوبات. واعتبر -في تعليقه للجزيرة نت- أن القرار أفضل حالا من غيره "لأنه ترك الأمل قائما"، قبل أن يؤكد رفض البرلمان له.

وعن أسباب تأجيل القرار، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان الإسلامية صلاح الدومة أن هناك مجموعة مبررات أبقت على العقوبات.

وقال للجزيرة نت إن الأسباب تتمثل في تاريخ "الإنقاذ" كحكومة واشتهارها بالالتفاف على الاتفاقات التي تبرمها مع الآخرين، وتدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد، واستمرار الحرب، وفتور بعض الداعمين الإقليميين، على حد وصفه.

المصدر : الجزيرة