مسلمون ومسيحيون ويهود على مائدة إفطار ببرلين

الإفطار السنوي لمسجد دار السلام في برلين شارك فيه 80 شخصية دينية وسياسية ألمانية. الجزيرة نت
ثمانون شخصية دينية وسياسية ألمانية حضرت الإفطار السنوي لمسجد دار السلام بالعاصمة الألمانية برلين (الجزيرة)

خالد شمت-برلين

على مائدة إفطار بمسجد دار السلام ببرلين، شارك كل من القسيسة إليزابيث كروزة والحاخام نيلس أدير بيرغ مع جيرانهما المسلمين في حديث عن أبرز ملامح شهر رمضان في العاصمة الألمانية. وعبرا عن إعجابهما بقدرة المسلمين بألمانيا على الامتناع عن الطعام والشراب لنحو 19 ساعة يوميا طوال شهر الصيام.

فتاة محجبة شرحت للقسيسة والحاخام أن عدد ساعات صيام المسلمين ترتبط دائما بشروق وغروب الشمس، وأن مجيء شهر رمضان هذا العام في فصل الصيف، حيث يطول النهار، يؤخر وقت الإفطار عكس ما يحدث في فصل الشتاء الذي تكون فيه ساعات الصيام أقل.

القسيسة كروزة والحاخام أستاذ الدراسات اليهودية بجامعة بوتسدام أدير بيرغ كانا من بين 80 شخصية سياسية ودينية دعاها مسجد السلام للمشاركة في حفل إفطاره الرمضاني السنوي أمس الثلاثاء.

ويشكل هذا الاحتفال واحدة من أنشطة عديدة تدعم الاندماج والتعايش السلمي بين أتباع مختلف الديانات، دأب مسجد دار السلام على تنظيمه بحي نوي كولن البرليني الشعبي، الذي اعتادت التقارير الإعلامية على تصنيفه مع حيي كرويتسبيرغ وفدينيغ نقاطا ساخنة لمشكلات الاندماج بالعاصمة الألمانية. ويصل عدد سكان نوي كولن لنحو 330 ألف نسمة، أكثر من 60% منهم من أصول مهاجرة من 163 دولة، ويمثل المسلمون نسبة كبيرة منهم.

بدأ حفل الإفطار بفيلم وثائقي عن قصة فتح مسجد دار السلام، حيث اشترى مسلمو حي نوي كولن عام 2007 كنيسة مهجورة وحولوها لمكان للصلاة. وأشار الإمام محمد طه صبري في الذكرى العاشرة لافتتاح المسجد إلى أن سياسيين ألمانا بارزين أثنوا بشكل متكرر على دور هذا المسجد في الوقاية من التطرف ومساعدة اللاجئين والتضامن مع المشردين.

‪إمام مسجد السلام ببرلين يكرّم القسيسة إليزابيث كروزة والحاخام نيلس أدير بيرغ‬ (الجزيرة)
‪إمام مسجد السلام ببرلين يكرّم القسيسة إليزابيث كروزة والحاخام نيلس أدير بيرغ‬ (الجزيرة)

شعيرة مشتركة
وتحدث صبري للضيوف عن فريضة الصيام في الإسلام، وقال إن شهر رمضان يمثل للمسلمين حالة طوارئ إيجابية وموسما لتكثيف أعمال الخير، ورحلة ذاتية تتجاوز الانقطاع عن الطعام والشراب والغرائز المباحة إلى الارتباط بالخالق والإحساس بمعاناة المساكين. ولفت إمام المسجد إلى أن شعيرة الصيام تمثل قاسما قيميا مشتركا بين الأديان، مشيرا إلى أوقات أعياد الميلاد التي يركز فيها المسيحيون على الروح والأسرة.

القسيسة كروزة ذكرت في كلمتها أن الصيام في المسيحية يعني إمكانية للتطهر والقرب من الرب وإصلاح النفس والتضامن مع الفقراء، وأوضحت أن الصيام الرئيسي للمسيحيين يتم بالامتناع عن أكل اللحوم ومنتجات الحيوانات قبل 40 يوما من عيد الفصح مثلما فعل المسيح عليه السلام.

الحاخام أدير بيرغ هو الآخر تناول الكلمة في الحفل، وبيّن أن الصيام يعتبر ثالث شعيرة دينية يهتم بها اليهود مع الصلاة والختان، موضحا أن يوم الغفران يعد من أكثر الأيام التي يحرص اليهود على صيامها ويمتد خمسا وعشرين ساعة.

الحاجة لـ"نحن" جديدة
وعبر الحاخام عن سعادته لدعوته للإفطار مع المسلمين، وقال للجزيرة نت إن الحفل مثّل مناسبة مهمة للقاء والتواصل بين سكان برلين من مختلف الأديان والثقافات، وأضاف أن دعوة مسجد دار السلام تتكامل مع فعاليات الحوار الديني المماثلة بتعزيز إمكانيات التعارف والتفاهم.

وفي السياق نفسه ثمنت القسيسة البروتستانية كروزة في حديثها للجزيرة نت مبادرة مسجد السلام، واعتبرتها مناسبة لتعزيز التعايش السلمي والانفتاح والتعدد والحياة الحرة بالعاصمة الألمانية، وعبرت عن أملها في نجاح المسجد بمواصلة دوره في "مواجهة القوى الساعية للاستقطاب والعودة بالمجتمع للوراء".

وأكدت كروزة أنها سعت من مشاركتها في الإفطار للدعوة إلى الابتعاد عن ازدواجية نحن الألمان وهؤلاء المسلمين إلى "نحن" جديدة يتوحد تحتها الجميع على أسس من القيم الدستورية والقواسم المشتركة، وأضافت أن للمسلمين والمسيحيين واليهود بألمانيا اهتمامات تتعدى الذوق إلى الارتباط بالقيم الروحية العميقة.

المصدر : الجزيرة