تيران وصنافير.. غليان تحت قبة البرلمان المصري

قضية تيران وصنافير تثير سجالا جديدا بمصر عبر البرلمان
قضية تيران وصنافير تثير سجالا جديدا في البرلمان المصري (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

حالة من الغليان يشهدها البرلمان المصري بالتزامن مع مناقشة اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية؛ فرافضو الاتفاقية يتهمون مؤيديها بالتملق للسلطة والانسحاق أمام أموال الخارج على حساب سيادة الدولة، أما المطالبون بتمريرها فيعتبرون المسألة لا تخرج عن إعادة الحق لأصحابه، وأن المعارضين يهدفون إلى إثارة البلبلة.

وبدأ البرلمان المصري أمس مناقشة اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين القاهرة والرياض، التي بموجبها تدخل جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل مضيق العقبة ضمن الحدود السعودية، رغم صدور حكم قضائي نهائي في يناير/كانون الثاني الماضي ببطلان الاتفاقية.

غير أن رئيس مجلس النواب علي عبد العال أعلن أن البرلمان لن يعتد بأي أحكام قضائية تخص الاتفاقية، وقال -خلال اجتماع لجنة الشؤون التشريعية- إن أي اعتداء من أي سلطة على المجلس هو والعدم سواء.

وشهدت جلسات البرلمان الخاصة بمناقشة الاتفاقية مشادات كلامية بين النواب، وصلت حد اتهام رئيس المجلس المعارضين بالتخطيط لإحداث فوضى، ملمحا بتنفيذهم مخططا خارجيا على حد قوله، بينما سأل نائب معارض للاتفاقية ممثل الحكومة بالجلسة "حضرتك سعودي؟"

‪جانب من مظاهرة رافضة لتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود العام الماضي‬ (الجزيرة)
‪جانب من مظاهرة رافضة لتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود العام الماضي‬ (الجزيرة)

وبدأت أزمة تيران وصنافير بزيارة ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز لمصر في أبريل/نيسان 2016، التي وُقعت خلالها اتفاقية ترسيم الحدود إلى جانب عدة اتفاقيات تجارية واستثمارية، مما عدّه معارضون مقابل تنازل مصر عن الجزيرتين.

وإثر ذلك، اندلعت مظاهرات تحت شعار "الأرض هي العرض" واعتقلت قوات الأمن المئات من المشاركين بها.

وصرف الصندوق السعودي للتنمية الأسبوع الماضي أربعمئة مليون دولار في صورة قرض لتمويل برنامج الملك سلمان لتنمية سيناء.

وتقول الحكومة المصرية إن الجزيرتين خضعتا للحماية المصرية منذ عام 1950 إعمالا لطلب من الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، غير أن محامين ونشطاء معارضين للاتفاقية يقولون إن سيادة مصر على الجزيرتين تعود إلى اتفاقية لندن 1840 أي قبل تأسيس المملكة بأكثر من مئة عام.

وأقام المحامي الحقوقي خالد علي الأسبوع الماضي دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، لإلزام رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب ووقف جلساته؛ لتمثيله خطرا على الأمن القومي وسلامة أراضي البلاد، بعدما أحال الاتفاقية للجنة التشريعية تمهيدا لمناقشتها.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي قائمة تضم 119 نائبا يرفضون اتفاقية ترسيم الحدود، بينما يبقى ما يعرف بائتلاف "دعم مصر" المكون من 317 نائبا الرهان الأكبر لتمرير الاتفاقية.

‪الحكومة تحاول امتصاص الغضب الشعبي بالترويج لإدارة مصر للجزيرتين‬ (الجزيرة)
‪الحكومة تحاول امتصاص الغضب الشعبي بالترويج لإدارة مصر للجزيرتين‬ (الجزيرة)

"بلطجة" برلمانية
بدوره، قال وزير العدل الأسبق المستشار أحمد سليمان إن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية هو حكم باتّ وغير قابل للطعن، ومن ثم فإن الاتفاقية في حكم العدم.

ويضيف للجزيرة نت أن "إقدام مجلس النواب على مناقشة اتفاقية حكم القضاء ببطلانها هو أمر غير قانوني لا يصدر إلا من قطاع الطرق والبلطجية".

وتابع سليمان أن النظام الذي لا يحترم إرادة الأمة ولا يعتد بالقانون والدستور لا يمكن أن يحكم دولة، لافتا إلى أن المستفيد الوحيد من إتمام اتفاقية ترسيم الحدود هو الكيان الصهيوني.

واعتبر عضو مجلس النواب السابق حاتم عبد العظيم اتفاقية إعادة ترسيم الحدود جزءا من ترتيبات ما يسمى "صفقة القرن"، التي تقوم على حماية أمن إسرائيل.

وأوضح للجزيرة نت أنه بموجب الاتفاقية يصبح مدخل خليج العقبة ممرا دوليا لا تتحكم فيه مصر وحدها، مما يصب في الصالح الإستراتيجي لإسرائيل، مضيفا أن النظام المصري قبل بالتنازل عن الجزيرتين لضمان بقائه في الحكم.

ويشير عبد العظيم إلى أن "مناقشة الاتفاقية في البرلمان ما هي إلا محاولة لتجميل وجه النظام المصري بوصفه يمتثل لرأي نواب أغلبهم يؤيدونه، إلى جانب رغبة السلطة في إشراك جميع المؤسسات معها في هذه الجريمة حتى لا يتحملها وحده".

وأصدر مجلس الوزراء أمس تقريرا يؤكد فيه أن الاتفاقية تنهي فقط الجزء الخاص بالسيادة مع بقاء الإدارة المصرية لضرورات حماية الجزيرتين وفق دواعي الأمن القومي المصري السعودي.

وعلق المحلل السياسي أسامة الهتيمي على هذه الخطوة، معتبرا إياها محاولة من النظام المصري لامتصاص الغضب الشعبي المحتمل في حال تم تسليم الجزيرتين للسعودية عبر الترويج لبقاء الإدارة المصرية للجزيرتين، وأن الاتفاقية معنية فقط بنقل السيادة.

وأضاف للجزيرة نت أن الحكومة تؤكد أنها ستبقي على إدارة الجزيرتين رغم أنها أكدت مرارا أن علاقة مصر بالجزيرتين كانت إدارة فقط بناء على طلب سعودي، وتساءل: "إن كان الوضع باقيا على ما هو عليه فلماذا كل هذه الضجة إذن؟"

وتوقع الهتيمي تمرير مجلس النواب للاتفاقية، لافتا إلى أن البرلمان الحالي تمت صناعته على عين السلطة التنفيذية ومن ثم فليس بمقدوره أن يدخل معها في صراع على قضية محورية كهذه.

المصدر : الجزيرة