الجيش التونسي يضيق على المهربين بتطاوين

الوحدات العسكرية في المنطقة العسكرية المغلقة (الحدود التونسية-الليبية
وحدات عسكرية بالمنطقة العسكرية المغلقة على الحدود التونسية الليبية (الجزيرة)
معزّ الجماعي-تطاوين

يتجنب أغلب الشبان في محافظة تطاوين التونسية التوجه إلى الحدود الليبية من أجل جلب السلع المهربة من ليبيا وترويجها في السوق الموازية، فقد فقدوا عددا من أصدقائهم برصاص الجيش التونسي الذي يشرف على المنطقة العسكرية المغلقة في الحدود بين البلدين.

ويتذكر عصام السعيدي (43 سنة) أنه فرط في سيارته بسعر زهيد بعد فشله في مواصلة تهريب البنزين من ليبيا، مشيرا إلى أنه كان يعمل في هذا المجال منذ صغره وانقطاعه المبكر عن الدراسة.

ويذكر السعيدي -في حديث للجزيرة نت- أن إنشاء الساتر الترابي في المنطقة العسكرية قبل أربع سنوات تسبب في بداية الأمر في تعطل جلب البنزين والمواد الاستهلاكية من ليبيا وتقليص عدد السفرات التي ينظمها إلى الصحراء.

ويستدرك قائلا "الآن تعطل هذا النشاط نهائيا بعد تعمد عناصر الجيش مطاردة السيارات وعدم التردد في إطلاق الرصاص صوبنا ما تسبب في مقتل عدد من التجار والمهربين".

ملاحقة الجيش
ويعتبر عصام واحدا من مئات الشبان بمحافظة تطاوين الذين يعملون في مجال التهريب لتوفير لقمة العيش بعد عجز الحكومة عن دمجهم في سوق الشغل بالقطاعين العام والخاص.

‪عدد من شباب تطاوين يعتصمون وسط المدينة للمطالبة بحق الشغل‬ عدد من شباب تطاوين يعتصمون وسط المدينة للمطالبة بحق الشغل (الجزيرة)
‪عدد من شباب تطاوين يعتصمون وسط المدينة للمطالبة بحق الشغل‬ عدد من شباب تطاوين يعتصمون وسط المدينة للمطالبة بحق الشغل (الجزيرة)

ولم يكن صديقه عادل الغندري (29 سنة) أوفر حظا، حيث صار يعاني منذ سنتين من البطالة بعد إصابته برصاصة في كتفه اليمنى. ويروي للجزيرة نت بأنه تعرض لملاحقة من عناصر الجيش أثناء جلب شحنة من البنزين نظرا لعدم امتثاله لأوامر التوقف.

ويبرر الغندري ما حدث قائلا "ضاعفت سرعة السيارة في المنطقة العسكرية ورفضت الامتثال لتحذيراتهم، فقد كنت أعلم بأنهم سيحجزون السيارة وإحالتي إلى السجن".

وينخرط هؤلاء الشباب منذ شهرين في "اعتصام الكامور" للمطالبة بتشغيلهم في صلب الشركات البترولية بعد انسداد أفق التشغيل بالمحافظة واستهداف نشاط السوق الموازية التي يعتبرونها المتنفس الوحيد لأهالي تطاوين لضمان العيش الكريم، وفق تعبيرهم.

ويلاحظ المتجول في شوارع تطاوين غياب السلع المهربة التي كان مئات الباعة يعرضونها على قارعة الطريق لزبائن كانوا يقبلون على شرائها نظرا لرخص ثمنها مقارنة بأسعار ذات السلع في المراكز التجارية التونسية.

ويشغل هذا النشاط الموازي للاقتصاد التونسي آلاف العائلات في تطاوين اضطروا لفتح دكاكين لبيع مختلف السلع المهربة من ليبيا بعد انعدام آفاق التشغيل والتنمية بالمحافظة، مما أجبرهم على الانخراط في "السوق السوداء".

وكان أهالي تطاوين قد نفذوا منذ أشهر عدة وقفات احتجاجية أمام الثكنات العسكرية، تنديدا باستعمال عناصر الجيش للرصاص الحي لمنع التهريب.

‪ساتر أنشئ في المنطقة العسكرية بتطاوين‬ ساتر أنشئ في المنطقة العسكرية بتطاوين (الجزيرة)
‪ساتر أنشئ في المنطقة العسكرية بتطاوين‬ ساتر أنشئ في المنطقة العسكرية بتطاوين (الجزيرة)

تجارة موازية
وفي هذا الصدد، يرى ضابط يعمل بالفرقة المختصة في تطاوين منذ سنوات، وفضل عدم الكشف عن هويته، أن التصدي للاختراقات الحاصلة في الحدود التونسية لا يعني تعمد الوحدات العسكرية القضاء على لقمة عيش هؤلاء التجار والمهربين.

 وقال المتحدث للجزيرة نت إن "ما يقوم به الجيش يهدف لمنع تسلل مسلحين قد ينفذون عمليات إرهابية في بلدنا". 

ويرى أستاذ العلوم الاجتماعية بالجامعة التونسية منعم الصويعي أن هذا النشاط غير المنظم خلق آلاف فرص الشغل وأصبح مورد رزق العائلات في تطاوين.

وذكر للجزيرة نت أن لجوء العاطلين عن العمل للتجارة الموازية يعود إلى غياب فرص التشغيل والإشكاليات التي يعيشها الاقتصاد الرسمي المتسم بقوانين صارمة وضرائب باهظة وتعقيدات إدارية حالت دون نجاح الشباب في بعث مشاريع بطرق قانونية.

ويعتبر الصويعي أن التضييق على نشاط هؤلاء في الحدود التونسية الليبية ساهم في تفاقم تردي الوضع الاجتماعي في المحافظة وإحالة الآلاف إلى البطالة، ما أجبرهم على الانخراط في الحراك الاجتماعي لمطالبة الحكومة بحق التشغيل.

وتحتل محافظة تطاوين المرتبة الأولى من حيث ارتفاع البطالة التي بلغت نسبتها 3%، بالإضافة إلى غياب المشاريع الاستثمارية التي قد تساهم في خلق مناصب شغل جديدة للعاطلين عن العمل.

المصدر : الجزيرة