مسلمو ساحل العاج.. أغلبية تشكو التهميش

مسلمون عاجيون يؤدون الصلاة في الشوارع القريبة من أحد المساجد
مسلمون عاجيون يؤدون الصلاة في الشوارع القريبة من أحد المساجد (الجزيرة)

الهيبة الشيخ سيداتي-أبيدجان

تتفق التقديرات على أن المسلمين يشكلون أغلبية سكان ساحل العاج البالغ عددهم -بحسب آخر إحصاء رسمي- 22.6 مليون نسمة, لكنهم يشكون من التهميش.

وإذا كانت المعطيات الرسمية تتجنب تصنيف المواطنين بحسب ديانتهم لاعتبارات تتعلق بالطابع "اللائكي" (العلماني) للدولة، فإن مصادر شبه رسمية تقدر نسبة المسلمين بما بين 50 إلى 60% من مجموع سكان هذا البلد الغرب أفريقي.

هذا الوزن العددي -مقارنة بالمسيحيين الذين تقدر نسبتهم بما بين 25 و30%، والوثنيين المقدرين بحوالي 10%- ليس معطى طارئا، فالمسلمون مكون أصيل من مكونات المجتمع العاجي.

ويعود دخول الإسلام إلى ساحل العاج -بحسب المؤرخين- إلى القرن الحادي عشر الميلادي، على يد تجار مسلمين أثّروا في سكان البلد واستقر بعضهم فيه. ورغم كل هذه الحقائق الديمغرافية والتاريخية فإن المسلمين لا يزالون يشكون من التهميش النسبي والإقصاء، رغم مرور قرابة ستين سنة على نهاية الاستعمار الفرنسي للبلاد ونشأة الدولة الحديثة القائمة على فكرة المواطنة.

يوسف وترا الأمين الدائم للمجلس الأعلى للأئمة في ساحل العاج (الجزيرة)
يوسف وترا الأمين الدائم للمجلس الأعلى للأئمة في ساحل العاج (الجزيرة)

ويتخذ التهميش الذي يشكو منه مسلمو ساحل العاج مظاهر عديدة ومتنوعة، لعل أهمها ضعف الحضور في مراكز السلطة والقرار، وضمور نصيب مناطق كثافتهم السكانية في شمال البلاد من المشاريع التنموية ومن عناية السلطات الحاكمة.

امتدادات اجتماعية
لكن هناك أيضا النظرة الخاصة التي ما زالوا يواجهونها على مستوى دوائر الدولة باعتبارهم وافدين على البلاد رغم تجذر وجودهم فيها، وهي نظرة ترجع على الأرجح إلى امتداداتهم الاجتماعية في بعض بلدان الجوار.

ويرى الأمين الدائم للمجلس الأعلى للأئمة في ساحل العاج يوسف وترا -الذي يضم 15 ألف إمام- في حديث للجزيرة نت، أن أكبر دليل على تهميش المسلمين في ساحل العاج هو أن الرئيس الحالي للبلاد الحسن وترا هو أول رئيس مسلم يحكمها، وقد يكون الأخير لفترة طويلة بالنظر إلى عدم وجود أي مسلم بين الشخصيات المؤهلة لخلافته، مؤكدا أن حضور المسلمين في المجال السياسي كان وما زال محدودا.

ومن مظاهر هذا التهميش أيضا -بحسب يوسف وترا- أن الدولة العاجية تأخرت في الاعتراف بأعياد المسلمين الدينية باعتبارها أعيادا رسمية في البلاد حتى عقد التسعينيات، رغم إلحاح المسلمين على المطالبة بهذا الحق وتعلقهم به طيلة العقود الماضية.

وشدد الأمين الدائم للمجلس الأعلى للأئمة على أن المسلمين في ساحل العاج لا يطمحون لأكثر من المساواة مع بقية سكان البلاد، وأن يتناسب تمثليهم مع حجم حضورهم في الشارع العاجي.

وأضاف أن من "نعمة الله على ساحل العاج أن منحها مسلمين معتدلين مسالمين، امتلكوا القدرة على تجاوز كل الاحتكاكات التي حصلت مع المسيحيين على أساس ديني، وتمكنوا من نزع فتيلها قبل تمدد نيرانها وخروجها عن السيطرة".
‪الصحفي في إذاعة البيان الإسلامية محمد سونوغو‬ (الجزيرة)
‪الصحفي في إذاعة البيان الإسلامية محمد سونوغو‬ (الجزيرة)

الاستعمار الفرنسي
ويرجع الصحفي في إذاعة البيان الإسلامية محمد سونوغو -في حديث للجزيرة نت- أسباب تهميش المسلمين في ساحل العاج رغم كونهم أغلبية، إلى ما يصفه بمؤامرات المستعمر الفرنسي، حيث يرى أن الاستعمار ركز جهوده على تهميش المسلمين بسبب دورهم البارز في مقاومة تغلغله في المنطقة.

في السياق ذاته، أدى موقف المسلمين المقاطع عموما للمدرسة الفرنسية إلى تخلفهم عن المشاركة في تأسيس الدولة الوطنية بعد الاستقلال، بسبب قلة الكوادر المؤهلة بينهم لتقلد المناصب مقارنة مع غيرهم من المجموعات، وترتب على هذا الوضع تصدر خصومهم التقليديين وانفرادهم بصياغة أسس الكيان الوطني الجديد، وتحديد توجهاته في غياب المسلمين الذين تعرضوا منذ تلك اللحظة للتهميش في الأجهزة الإدارية والأمنية والهيئات الحزبية وغيرها من مواقع التأثير على مستوى مؤسسات الدولة.

ومن هذه العوامل أيضا انشغال المسلمين بحماية هويتهم الدينية، وانصرافهم إلى الاهتمام بنشر الإسلام، على حساب العناية بالمشاركة في الهم الوطني العام وببناء مؤسسات وهياكل تمثيلية تهتم بتعزيز مشاركتهم السياسية وتدعيم مكانتهم الاقتصادية وحضورهم المجتمعي.

واعتبارا من تسعينيات القرن الماضي، بدأ يتبلور لدى مسلمي ساحل العاج وعي متنام بالاختلالات التي يواجهونها وطموح لتحسين أوضاعهم. وقد أسهم في تكريس هذا التطور عاملان أساسيان: أحدهما التحولات التي شهدتها البلاد إثر وفاة الرئيس المؤسس فيليكس هوفوت بونيي بما فيها صعود الرئيس الحالي الحسن وترا، والثاني عودة نخبة من المسلمين الذين درسوا في بلدان إسلامية واحتكوا ببعض تجارب الصحوة الإسلامية المعاصرة. وقد نشط هؤلاء في إطار جمعيات وروابط ذات اهتمامات تربوية واجتماعية وإعلامية ودعوية، من أبرزها المجلس الوطني الإسلامي وجمعية الشباب المسلمين ورابطة الدعاة في ساحل العاج.

ويرى الوزير العاجي السابق فرانسيس وودي -في تصريحات للجزيرة نت- أن الحديث عن التهميش على أساس ديني في ساحل العاج لا يستند إلى معطيات موضوعية، ذلك أن الدستور العاجي حسم الطابع "اللائكي" للدولة، حيث نص على احترام الأديان ورفض التمييز على أساس ديني، مؤكدا على أن مواطني هذا البلد متساوون أمام القانون، حيث يتمتع الجميع على قدم المساواة بكافة حقوق المواطنة.

المصدر : الجزيرة