مخاوف ومصالح ترسم المواقف من استفتاء تركيا

A handout picture provided by Turkish President Press office shows Turkish President Recep Tayyip Erdogan (C) meets with Federica Mogherini (5-L), High Representative of the European Union for Foreign Affairs, in Ankara, Turkey, 25 January 2016. EU top officials Mogherini and Hahn are in Turkey to attend a ministerial meeting on the crises in the Middle East. EPA/TURKISH PRESIDENT PRESS OFFICE / HANDOUT
أردوغان (وسط) خلال لقائه مع مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووفد مرافق لها بأنقرة قبل الأزمة (الأوروبية)
زهير حمداني
 
لم يبق الاستفتاء على التعديلات الدستورية شأنا تركيا محضا رغم محليته، فالكثير من دول الإقليم وأوروبا والدول الكبرى كانت مشدودة إلى نتائجه وآثاره، ومرد ذلك محورية الدور التركي بالمنطقة والأزمة في العلاقات التركية الأوروبية، وتحولات النظام العالمي.
 
وتفاوتت ردود الأفعال على نتيجة الاستفتاء بين المخاوف -الغربية خاصة- من حصول تحول سياسي في تركيا يعزز موقعها واستقلاليتها وأهميتها الإقليمية، أو مؤيدة ومرحبة من منطلق أيديولوجي أو مصلحي، وبعضها كان ناقدا استنادا إلى خصومات وعداوات مع أنقرة.
 
وقبل صدور النتائج أثار قرار الاستفتاء نفسه ردود أفعال دولية واسعة، ولا سيما أنه أتى بعد أشهر من الانقلاب العسكري الفاشل وفي خضم جدل سياسي حول مسألة الحريات في تركيا.
 
وجاءت النتيجة المتقاربة بين المؤيدين (51.4%) والرافضين (48.6%) لتنثر مزيدا من السجالات، خاصة بين أنقرة وجيرانها الأوروبيين.
 
وكانت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وبعض الدول الأوروبية -وخاصة ألمانيا وهولندا والنمسا وسويسرا– قد شهدت توترا على ضوء تعطيل السلطات هناك تجمعات ضمن حملة الاستفتاء، ومنع حضور مسؤولين أتراك إليها.
 
وأدى ذلك إلى انتقادات تركية غير مسبوقة للاتحاد الأوروبي وصلت حد نعت بعض دوله بـ"النازية" أو "الصليبية"، مقابل تكرر وصف مسؤولين أوروبيين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه "دكتاتور"، وتلك كانت سابقة في العلاقات بين الطرفين.
 
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال لقائه مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني (رويترز)
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال لقائه مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني (رويترز)

الأزمة وما بعدها
واستقبلت أوروبا نتيجة الاستفتاء بـ"نعم" على التعديلات الدستورية ببرود شديد، ولم يتلق الرئيس أردوغان أي رسائل تهنئة، بل إن معظم الدول الأوروبية -وخاصة ألمانيا- أكدت على أن النتائج المتقاربة تكرس انقساما في المجتمع التركي.

 
وفي تماه مع موقف المعارضة التركية، قالت المفوضية الأوروبية إنه "في ضوء النتيجة المتقاربة للاستفتاء والآثار البعيدة المدى للتعديلات الدستورية، ندعو السلطات التركية إلى السعي إلى التوصل إلى أكبر توافق وطني مُمكن في تنفيذها".
 
وأثار قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وضع تركيا تحت الرقابة السياسية حول حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، غضبا كبيرا لدى السلطات في أنقرة التي اعتبرته" حملة سياسية مناهضة لتركيا"، وجاء ذلك بعد تأكيد مراقبي منظمة الأمن والتعاون  في أوروبا على أن "الاستفتاء لم يجر في ظروف عادلة".
 
والمواقف الرسمية لدول الاتحاد الأوروبي قابلتها ردود فعل عنيفة من الأحزاب اليمينية الأوروبية التي اعتبرت النتيجة "ضربة قاصمة للديمقراطية في تركيا"، وانزياحا "نحو المزيد من الإسلامية والشمولية"، كما قال غيرت فيلدرز زعيم  أقصى اليمين بهولندا.
غير أن الأزمة الكبيرة والتراشق اللفظي غير المسبوق بين أردوغان والمسؤولين الأوروبيين خفتت حدتهما لاحقا جراء إدراك الجانبين الحاجة المتبادلة بينهما، حيث رفض وزير الخارجية الألماني زاغمار غابرييل الحديث عن إلغاء طلب انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فيما أكدت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد فيديريكا موغيريني أن "الباب ما زال مفتوحا لتركيا لكن وفق القواعد المعروفة".
 
وتتخوف أوروبا من اندفاع تركيا بشكل أكبر إلى الحضن الروسي وهي تدرك أهمية الأوراق الكثيرة بيد إسطنبول، خصوصا مسألة اللاجئين والأزمة السورية، وحجم التجارة البينية الكبير، بينما تعرف أنقرة من جهتها صعوبة التخلي عن حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي، وعدم قابلية علاقاتها الاقتصادية مع أوروبا لأي لتعويض.
 
ومن خلال هذه المقاربة البراغماتية، جاء قرار اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بحضور وزير الخارجية التركية في مالطا باستمرار الحوار والتعاون بين الطرفين، وهو ما يشكل احتواء للأزمة ولو إلى حين.
الرئيس أردوغان خلال استقباله نظيره الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة عام 2014 (الأوروبية)
الرئيس أردوغان خلال استقباله نظيره الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة عام 2014 (الأوروبية)
بين التحفظ والترحيب
وعلى عكس مواقف المسؤولين الأوروبيين، فقد اتصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنظيره التركي رجب طيب أردوغان مهنئا بنجاح الاستفتاء، وجاء ذلبك رغم ما يشوب العلاقات بين البلدين من برود بفعل الدعم العسكري الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب في سوريا، ومسألة الداعية فتح الله غولن المزمنة.
 
لكن البيت الأبيض دعا في الوقت نفسه السلطات التركية إلى احترام آراء المعارضة وحرية التعبير، مشيرا في بيان إلى  المخاوف التي عبر عنها مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
 
من جانبها أعلنت روسيا -التي ترتبط حاليا بعلاقات قوية مع أنقرة- عن تأييدها لنتيجة الاستفتاء، وأكدت على ضرورة احترام إرادة الشعب التركي.
 
وتتخوف كل من أوروبا والولايات المتحدة من تنامي العلاقات التركية الروسية في الآونة الأخيرة على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وحتى العسكري خصوصا في سوريا، رغم تأكيد بعض مسؤوليها أن أردوغان يضغط على الطرفين لتحصيل مكاسب، باستعمال الورقة الروسية.
 
وعلى المستوى الإقليمي، تباينت ردود أفعال الدول استنادا إلى موقفها من السلطات التركية نفسها، فقد رحبت  معظم الدول الخليجية بالاستفتاء وأشادت بنجاحه، فيما أكدت إيران احترامها لإرادة الشعب التركي، بينما آثرت الخارجية المصرية عدم التعليق على النتائج، في ضوء العلاقة المقطوعة مع أنقرة.
 
ورغم عدم صدور تصريحات رسمية، فإن الإعلام المصري المقرب من السلطة ركز على الفارق الضئيل بين معسكر الرافضين والمؤيدين للاستفتاء، واعتبره دليلا على هبوط شعبية الرئيس أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، ورأى في تحول تركيا إلى النظام الرئاسي "تكريسا للاستبداد".
 
وفي المقابل، عبّرت المعارضة المصرية -وخاصة حركة الإخوان المسلمين وحزب "غد الثورة"- عن إشادتها بالاستفتاء ونتائجه، واعتبرته "درسا جديدا في الديمقراطية"، وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه حركة "حماس" في فلسطين، وأحزاب إسلامية أخرى قريبة من تركيا في العالم الإسلامي.
وفي سوريا لم تكن الموافقة على التعديلات الدستورية نبأ سارا للنظام ولحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات سوريا الديمقراطية، فيما رحّبت المعارضة السورية وبعض فصائلها المسلحة بنتائج الاستفتاء.
 
ومع تباين المواقف من هذا الاستحقاق التركي، فإن نتيجة الاستفتاء وما رافقها من ردود أفعال إقليمية ودولية سيمتد تأثيرها في الفترة المقبلة، حيث ترقب القوى الدولية والإقليمية تفاعلات الحدث في الداخل والخارج، خاصة مع بدء تطبيق بنود التعديلات المقترحة، وصولا إلى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية