مساع بمصر لإقرار قانون لتحديد الإنجاب

البرلمان المصري
مقر البرلمان المصري (الجزيرة)
عبد الرحمن محمد ـ القاهرة

"عايز تخلف.. خلف بعيد عننا" جاء هذا التعبير على لسان غادة عجمي، عضو مجلس النواب المصري في تصريحات صحفية عن مشروع قانون تعتزم تقديمه للبرلمان يهدف لدفع الأسر المصرية إلى تحديد الإنجاب.

وخلال الأيام الماضية، شهد البرلمان المصري مساعي لاستصدار تشريع جديد، يعاقب من ينجب أكثر من ثلاثة أطفال بالحرمان من الخدمات الحكومية كالعلاج والتعليم، حيث أعلنت النائبة غادة عجمي انتهاءها من إعداد مشروع قانون ينص على ذلك، لافتة إلى أنها ستقدمه للمجلس موقعا من مئة نائب.

وما إن أعلن عن مشروع القانون حتى أثار موجة انتقادات واسعة من سياسيين وخبراء وسخرية بمواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع معدة المشروع للإعلان عن تعديلها اسمه من "قانون تنظيم النسل" إلى قانون "تنظيم الدعم للأسر المصرية"، لتخفيف حدة معارضته وانتقاده.

النائبة غادة عجمي: مشروع القانون سيتناول تنظيم آليات الدعم للأسر (مواقع التواصل الإجتماعي)
النائبة غادة عجمي: مشروع القانون سيتناول تنظيم آليات الدعم للأسر (مواقع التواصل الإجتماعي)

وقالت النائبة غادة عجمى في تصريحات صحفية إن مشروع القانون سيتناول تنظيم آليات الدعم للأسر بربط ذلك بعدد أفرادها كنوع من أنواع المحفزات الاقتصادية لتقليل الأعباء المالية عن الموازنة العامة، مضيفة "عايز تخلف خلف بعيد عننا، والطفل الرابع ملوش دعم".

تأييد برلماني
ولقي مشروع القانون تأييد نواب بالبرلمان، حيث قال النائب عمر حمروش إن خطب الجمعة يجب أن تحث على تنظيم النسل، كما طالب رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية عمرو غلاب بحملة موسعة لتنظيم النسل في الفترة المقبلة، فيما اعتبر النائبان ياسر عمر وعبد الله مبروك الزيادة السكانية أخطر ما تواجهه مصر.

‪علاء عبد المنصف: هذه المساعي تضع مصر في مصاف الدول الشمولية‬ (الجزيرة)
‪علاء عبد المنصف: هذه المساعي تضع مصر في مصاف الدول الشمولية‬ (الجزيرة)

وجاءت هذه المساعي متناغمة مع تحميل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في خطاباته الأخيرة، الزيادة السكانية مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، وكشفه عن سعي الحكومة لاستصدار تشريعات تضبط تلك الزيادة، حسب تعبيره، وقال "بدأنا نرفع نبرة الحديث عن هذه القضية بعدما كنا نتحدث عنها على استحياء بسبب خطة تثبيت الدولة".

في هذا السياق، اعتبر مدير المنظمة السويسرية لحماية حقوق الإنسان علاء عبد المنصف أن هذه المساعي تضع مصر في مصاف الدول الشمولية الساعية لفرض قراراتها القمعية على المجتمع، والتدخل في الحياة الشخصية للأفراد المنصوص على احترامها في المواثيق الدولية، كما تضعنا أمام سلطة تشريعية تابعة للسلطة التنفيذية، في تحد صارخ لاستقلالها ونزاهتها.

ويرى في حديثه للجزيرة نت أن هذا الأمر يدل على انتقال مصر من مرحلة النواب "الترزية" (الخياطين) في عهد مبارك، إلى مرحلة النواب "الجزَّارين"، الذين يتلمسون أمنيات السيسي لتحقيقها مباشرةً، بلا مواربة، بشكلٍ يُخالف كل المواثيق والأعراف القانونية.

أحمد عبد الله: هذا التوجه سبقت إليه دول أخرى (الجزيرة)
أحمد عبد الله: هذا التوجه سبقت إليه دول أخرى (الجزيرة)
وذهب إلى أن النظام يسعى من خلال هذه المساعي لمداراة فشله الاقتصادي والاجتماعي خلال السنوات الأربع الأخيرة، وإلقائه على المجتمع، وشغله ببعض التشريعات المخالفة للدستور والمواثيق الدولية، مشددا على ضرورة تضافر جهود منظمات المجتمع المدني لرفض مثل هذه الإجراءات والقوانين، لما فيها من تحدٍ للدستور فيما يتعلق بالحريات الشخصية.

تجربة سابقة
في المقابل يشير أستاذ الطب النفسي أحمد عبد الله إلى أن هذا التوجه سبقت إليه دول أخرى، مرجحا عدم إجراء الساعين لإقرار هذا القانون دراسة لهذه التجارب ومدى فاعليتها في تحقيق الأهداف المرجوة، كما تساءل عن قدرة الحكومة على تطبيق هذا القانون حال إقراره في ظل عجزها عن أدوار أخرى.

 
ورأى عبد الله في حديثه للجزيرة نت أن "المشكل" الذي تواجهه دولة كمصر يتمثل في الكيف وليس في الكم، مؤكدا أن عدد السكان في حقيقة الأمر عامل قوة إذا كان منتجا، لكن في حال اقتصاره على كونه مستهلكا فسيكون عبئا مهما كان هذا العدد.
 
وذهب إلى أن "رمي الكرة" في ملعب الأسر والمواطنين باعتبار أن الأزمات التي تواجهها البلاد مرجعها في الأساس هو الزيادة السكانية، أمر تلتجئ إليها بعض الأنظمة، ويصاحبه تجاهل أسباب أقوى لهذه الأزمات، الأمر الذي يشكك في إمكان نجاح هذا التوجه.
المصدر : الجزيرة