رمضان دمشق.. لا مكان للفقراء

من أحد أسواق دمشق الشعبية
أسواق دمشق الشعبية محج البسطاء قبل الشهر الفضيل (الجزيرة نت)

سلافة جبور-دمشق

"آخر بيعة.. آخر بيعة.. قرّب قرّب".. يصيح باعة جوّالون وأصحاب محال في سوق الشيخ محي الدين شمال العاصمة السورية دمشق، محاولين اجتذاب المزيد من الزبائن مع غروب شمس يوم من أواخر شهر شعبان.

يغص السوق الدمشقي الشعبي بمئات المارّة الراغبين بابتياع بعض احتياجاتهم الأساسية قبيل حلول شهر رمضان الكريم الذي يشكّل التسوق وشراء المواد الغذائية جزءا لا يتجزأ من عاداته وطقوسه، استعدادا لتحضير موائد الإفطار والسحور.

تتلمس أم أسامة محفظتها بقلق بين الفينة والأخرى، وهي تحصي النقود القليلة المتبقية، محاولة الحصول على أفضل الأسعار التي تتيح لها شراء أكبر كمية ممكنة مما قد تحتاجه عائلتها خلال الأسابيع القادمة.

تقول المرأة الخمسينية في حديث للجزيرة نت إن شهر رمضان في دمشق يغدو أصعب عاما بعد آخر، مع استمرار ارتفاع الأسعار وتدني الأجور التي باتت بالكاد تكفي لتغطية احتياجات المعيشة الأساسية، أما لوازم شهر رمضان "فتتطلب ميزانية أخرى يصعب تأمينها".

وتتمنى أم أسامة لو كان بمقدورها ابتياع بعض المكسرات كاللوز والجوز والفستق التي ترغب في استخدامها لتزيين أطباق مائدتها الرمضانية، لكن أسعارها المقدرة بآلاف الليرات السورية للكيلوغرام الواحد "لا تترك مجالا للفقراء أمثالنا بمجرد التفكير بها".

تغيب أم أسامة بين مئات المتسوقين الذين لا تختلف حالهم عنها، وهم يحاولون مواءمة أجورهم المتواضعة مع ما يرغبون بشرائه استعدادا للشهر المبارك، إلا أن ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة التام يجعل الأمر عبئا أكثر منه احتفالا.

وشهدت أسواق دمشق خلال الأيام الماضية زيادات كبيرة ومفاجئة في الأسعار، مما جعل حركة التسوق أقل من المتوقع، وذلك بحسب شبكة صوت العاصمة الإخبارية.

وتذبذبت أسعار بعض المواد الأساسية كاللحوم لتصبح "كالبورصة" بحسب تعبير أحد الإعلاميين العاملين في الشبكة المذكورة، حيث بلغ ثمن الكيلوغرام من بعض أنواعها ما يقارب سبعة آلاف ليرة (حوالي 13 دولارا)، وكذلك الأمر بالنسبة للدجاج الذي وصل ثمن الكيلوغرام منه إلى أكثر من ألفي ليرة سورية (نحو أربعة دولارات).

أحد الأسواق وسط دمشق (الجزيرة نت)
أحد الأسواق وسط دمشق (الجزيرة نت)

وتنخفض الأسعار في الأسواق الشعبية مثل الشيخ محي الدين وباب سريجة وباب الجابية، مما يجعلها مقصدا لآلاف العائلات، في حين تتضاعف المبالغ التي يتوجب على المتسوقين دفعها في مراكز التسوق الواقعة في أحياء أبو رمانة والمالكي وكفرسوسة، لتبقى تلك الأماكن محصورة بالطبقة الميسورة.

أما أحياء وبلدات محيط دمشق وريفها مثل جرمانا وصحنايا وجديدة عرطوز، فتشكو المزيد من ارتفاع الأسعار مع حلول شهر رمضان، حيث تتسبب حواجز النظام والإتاوات التي يضطر التجار وأصحاب المحال لدفعها في سبيل نقل المواد من أسواق العاصمة في تحمل سكان تلك المناطق أعباء مادية إضافية.

ويؤكد أبو جواد -وهو من النازحين إلى بلدة صحنايا غرب دمشق- أنه فضّل قطع الطريق الطويل الواصل بين بلدته وبين دمشق لاشتراء ما تحتاجه عائلته للشهر الكريم رغم اضطراره إلى المرور على عدد من الحواجز والانتظار مدة طويلة.

وقال إن "الحواجز تتدخل في كل تفاصيل حياتنا، فإما المرور عليها وتحمل الانتظار والتفتيش، وإما شراء المواد بأسعار قد تكون مضاعفة نتيجة الإتاوات والسرقة".

وعبّر الرجل الأربعيني في حديثه للجزيرة نت عن خيبة أمله بعد انتشار شائعات حول نية الحكومة السورية رفع رواتب العاملين في القطاع العام قبل بداية شهر رمضان، وهو ما نفاه وزير المالية السوري مأمون حمدان منذ أيام والذي أكد أن "سلم أولويات الحكومة يبدأ من الجيش إلى الغذاء فالدواء" وذلك في تصريحات لوسائل إعلام سورية رسمية.

يأسف أبو جواد لاستمرار اهتمام النظام السوري بالحرب أولا وأخيرا، غير عابئ بمعاناة الملايين من السوريين داخل البلاد، وقال "كل آمالنا بتحسن الوضع تذهب سدى، ما علينا سوى الانتظار، والاحتفال بالشهر الكريم ضمن إمكانياتنا وقدراتنا".

المصدر : الجزيرة