براوة.. قرية مصرية تُحطم تقاليد التفاخر بالزواج

العريس الذي كان أول من طبق المبادرة تنازل عن كثير من متطلبات التباهي.
العريس الذي كان أول من طبق المبادرة تنازل عن كثير من متطلبات التباهي (الجزيرة)

ياسر سليم-القاهرة

ظل شباب قرية براوة بمحافظة بني سويف جنوب مصر يترقبون إمكانية نجاح مبادرة تيسير الزواج -التي توافقت عليها رؤوس عائلات القرية- حتى فعلها أحمد علي وتزوج عروسه مطبقا شروط الوثيقة، كأول نموذج عملي لإمكانية نجاح تحقيق المبادرة الصعبة التي تتحدى وتحطم تقاليد عتيقة في مناطق تقدس التقاليد وتحب التباهي، كالصعيد حيث براوة.

عمدة القرية محمد نجيب وأكبر داعمي المبادرة، سارع لتسجيل اسمه كشاهد أول على عقد الزواج، وسط حشود غفيرة من الأهالي ووجهائها الذين احتشدوا وكأنهم يطالعون زفافا للمرة الأولى.

نصوص الوثيقة
وتتضمن نصوص الوثيقة بالتفصيل تيسير كل ما يخص العروسين والأهل منذ أن تطأ قدما الشاب بيت العروس لخطبتها، وحتى نهاية يوم الزفاف.

وطبق أحمد بنود الوثيقة تطبيقا حرفيا، فلم تزد شبكته للعروس على عشرين غراما من الذهب، نزولا من مئة غرام كما جرت العادة من قبل، وسط احتفالات بسيطة.

وجهّز أثاث شقة الزوجية بنحو أربعين ألف جنيه (نحو ألفين ومئتي دولار) وهو الحد الأقصى الذي حددته الوثيقة.

كما لم تشتر العروس النيش (دولاب الأطباق والفناجين الصيني) ومشتملاته، ولم تتحمل والدته تكاليف شراء هدايا للعروس، وجرى توزيع العيش (الخبز) والكعك والبسكويت على أضيق نطاق ممكن. 

وحتى موكب سيارات زفاف العروسين، تم قصره على سيارة واحدة فقط.

وجرى "تنفيذ بنود الوثيقة كما هو متفق عليه حرفيا" كما يؤكد والد العريس الحاج علي عطية لـ الجزيرة نت، مستدركا "رغم أن عروس الابن كانت من قرية مجاورة لا تسريبب عليها الوثيقة".

‪يقتصر عقد القران على حضور بسيط بمسجد القرية ومن أهالي العروسين‬ يقتصر عقد القران على حضور بسيط بمسجد القرية ومن أهالي العروسين (الجزيرة)
‪يقتصر عقد القران على حضور بسيط بمسجد القرية ومن أهالي العروسين‬ يقتصر عقد القران على حضور بسيط بمسجد القرية ومن أهالي العروسين (الجزيرة)

التزام وتعهدات
وحينما احتشد الأهل والجيران للاحتفال بالزفاف، نبه والد العريس على الجميع بالالتزام التام، وحذر من إطلاق النار في الهواء احتفالا، تجنبا للمساءلة من قبل تجمع العائلات، على حد قوله.

وتحدد الوثيقة غرامات على مخالفيها، أو على المشاحنات التي تقع أثناء إتمام إجراءات الزواج، وجرى التشديد على حظر تعاطي المخدرات أثناء حفل الزفاف، وتبلغ غرامتها خمسة آلاف جنيه (نحو ثلاثمئة دولار) وتتم مساءلة كبير العائلة التي يرتكب أحد أفرادها مخالفة ما.

وقال المتحدث باسم تجمع عائلات براوة ومنسق المبادرة عماد مصطفى إن "كل بنود الوثيقة مصانة بتعهدات راسخة كدستور لا يجوز تجاوزها، وإلا فالغرامة واقعة بالمخالف لا محالة" مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى أنه "يتم تجميع هذه الغرامات لتدخل في صندوق الجمعية الخاصة بالبلدة لمساعدة اليتامى والفقراء والمرضى من أهلها".

تفاؤل/تشاؤم
لكن الكاتب الصحفي أحمد إبراهيم وابن محافظة بني سويف حيث تقع براوة، لا يتفاءل بإمكانية اتساع نطاقها، وعلى العكس "فالتطور يسير باتجاه مزيد من الأعباء على الشباب، رغم ارتفاع الأسعار وتدهور المستوى الاقتصادي للأسر".

وأشار إبراهيم إلى أن عشاء ليلة الزفاف تطور من ذكر بط إلى ديك رومي، ثم صار بقوة دفع التفاخر ماعزا ثم خروفا، محاطا بـ 15 طبقا من أواني الطعام الفاخرة، وأخيرا صار الخروف عجلا يتم إرساله حيا إلى بيت العريس محاطا بزفة بلدي على أنغام الطبل والمزمار، وتلك أبسط التكاليف.

وينفي الطبيب النفسي والمحلل الاجتماعي أحمد عبد الله أن تكون أزمة الزواج بمصر في تكاليفه فقط، مؤكدا أن الأمر أعقد من ذلك بكثير، لكنه يبدي تعاطفا مع أصحاب المبادرة، داعيا لعدم التشاؤم من ناحية إمكانية اتساع نطاقها، فربما "تبدأ رحلة المليون ميل من بني سويف" على حد تعبيره.

ورأى عبد الله بحديثه للجزيرة نت أن مثل هذه المبادرة يمكن أن توافق نجاحا في حال الانهيار التام لمعدلات الزواج بمجتمع ريفي ما، لتتحدى التقاليد الاجتماعية الراسخة، وتكسر التباهي الذاتي والاجتماعي لدى البعض.

المصدر : الجزيرة