حكواتي مخيم الشاطئ ينعش ذاكرة أطفاله

إحدى مدارس مخيم الشاطئ للاجئين/ غزة / 10-4-2017/ الحكواتي أبو المظفر أثناء القيام بمهامه كقاص أمام التلاميذ
أبو المظفر يتقمص شخصية الحكواتي لرواية الحكايات الشعبية الفلسطينية القديمة(الجزيرة)

أحمد فياض-غزة

بثقة وحرقة وإتقان أخذت التلميذة إيمان الأستاذ تسرد أمام جمع من تلاميذ مدرستها ومعلميها في باحة مدرسة مخيم الشاطئ الابتدائية لـ اللاجئين بعضا من الأشعار الوطنية للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، وسط ذهول الحضور من قوة أدائها وأسلوب إلقائها المتميز.

اكتشاف موهبة ايمان وقدراتها الإبداعية على القيام بهذا الدور لم تكن لترى النور لولا جهود الشاعر والمعلم غير المتفرغ سليمان عودة المكنى بأبي المظفر، والذي أخذ على عاتقه تقمص دور الحكواتي إيمانا منه بأهمية هذا الفن في تعزيز الانتماء للقضية الفلسطينية وإحياء التراث.

ومنذ سبع سنوات يواظب أبو المظفر على ارتداء ملابس الحكواتي والالتقاء بأطفال مخيم الشاطئ للاجئين بمنزله أو في مدارسهم بلا كلل أو ملل، ليقص عليهم حكايات خيالية مفعمة بالعبر والعظات، وأخرى تاريخية وواقعية تتعلق بالقضية الفلسطينية وملابساتها.

ولا يهدف أبو المظفر من وراء تقمص دور الحكواتي لإحياء عادة شعبية قديمة بقدر استغلالها في توصيل المفاهيم المجردة للأطفال، بغية تمتين أواصر انتماء الأجيال الصاعدة بالقضية الفلسطينية كي لا يخبو وهجها من الذاكرة.

أسلوب مسرحي
وبأسلوب قصصي شيق أقرب إلى السرد المسرحي، يحرص الخمسيني أبو المظفر -الحاصل على شهادات جامعية بالإخراج المسرحي والصحافة واللغة العربية- على جذب انتباه السامعين الأطفال وإنعاش ذاكرتهم وتبصيرهم بمحطات القضية الفلسطينية ومآلاتها.

وتقوم مبادرة أبي المظفر على انتقاء الأشعار والمادة والتاريخية والقصص التراثية وسردها على التلاميذ وجعلهم يعيشون الأحداث وكأنهم جزء من تفصيلاتها، ومن ثم انتقاء عدد من الأطفال للقيام بدور الحكواتي ومهامه بعد زيادة تعمقهم المعرفي والثقافي بجوانب القضية الفلسطينية المختلفة.

أبو المظفر أثناء إشراك التلاميذ بأصل الحكاية يطلعهم على خارطة فلسطين
أبو المظفر أثناء إشراك التلاميذ بأصل الحكاية يطلعهم على خارطة فلسطين

ومهمة الحكواتي بالنسبة لأبي المظفر أيضا وسيلة لجذب الأطفال وتبصيرهم بالأسباب التي جعلتهم يعيشون ظروفا صعبة نتيجة طرد أجدادهم من أرضهم وحرمانهم من العودة إليها، لافتا إلى أن علامات تأثر الأطفال وسرعة استجابتهم للأهداف المرجوة من حكاياته تظهر جليا من خلال تفاعل الأطفال واندماجهم مع بيئة القصة.

ويرى الرجل المحبب لأطفال المخيم أن الأجيال الفلسطينية في الوقت الحالي بحاجة ماسة لترسيخ الحس الوطني وتعزيز آمالها بالعودة إلى الأرض والديار، فالظروف المعقدة التي تمر بها القضية الفلسطينية باتت "تحرف بوصلة اهتمام الأجيال عن جوهر الصراع".

ويحرص صاحب مبادرة الحكواتي -التي ذاع انتشارها في عدد من مدارس منطقة غزة- على ألا يلج في حديثه مع الأطفال إلى القضايا التربوية والوطنية قبل البدء بفقرات ترفيهية ممتعة مستوحاة من القصص الخيالية، بهدف استدراج أذهان مستمعيه إلى حكايته التاريخية وأشعاره الوطنية.

ود.. تفاعل
كما لا يفوته أيضا بث روح الود والتفاعل مع جمهور المتلقين أثناء سرد حكاياته كي يشركهم في القضية المثارة إلى أن يصبحوا جزءا منها، فيضطرهم إلى اقتراح الحلول لأجلها، وتبيان مواضع القوة والإخفاق فيها، بأسلوب مبسط معتمد على الواقعية  في الطرح والتناول.

ولأن الموت غيب معظم أبناء جيل النكبة، يرى أبو المظفر أن دور الحكواتي بات مهما جدا، لينوب عن الأجداد في تثقيف وتوعية الأحفاد بما تعرض له الفلسطينيون من ظلم وتقتيل، ومن أجل تعزيز تعميق قيم الانتماء والإيثار والصبر وحب الوطن.

ويطمح أبو المظفر إلى تعميم فكرة الحكواتي لتشمل الأمهات في المنازل من أجل حثهن على الاستفادة من هذا الأسلوب في تعزيز السلوك الايجابي في المجالين التربوي والوطني، كي لا تبقى القضايا الوطنية فكرة مجردة يصعب على الطفل معايشة تفاصيلها أو ملامسة جوهرها.

المصدر : الجزيرة