منبج.. عقدة الحل أم بوابة المواجهة؟

معارك بين الجيش الحر وقوات سوريا الديمقراطية بمحيط منبج
معارك بين الجيش الحر وقوات سوريا الديمقراطية بمحيط منبج (ناشطون)

                                                                                  رأفت الرفاعي-غازي عينتاب

تعد مدينة منبج من المدن الكبرى بريف حلب، وتقع شرق مدينة حلب على بعد 80 كلم قرب نهر الفرات من جهة الغرب. ومنذ التحول إلى الصراع المسلح تبدلت هوية الأطراف التي سيطرت على المدينة، وبدأت في عام 2012 مع انتزاع الجيش السوري الحر المدينة من قبضة قوات النظام. وفي عام 2014 تمدد تنظيم الدولة الإسلامية إلى المدينة، لتخضع مجددا بعد عامين لسيطرة الوحدات الكردية بدعم من التحالف الدولي.

فقد أعلنت تركيا عن عملية عسكرية في 24 أغسطس/آب 2016, وكان هذا أول تدخل مباشر لتركيا في الأراضي السورية عبر تقديمها الدعم للجيش السوري الحر التابع للمعارضة المسلحة. وسيطر الحليفان بداية على مدينة جرابلس، ثم كامل الشريط الحدودي الممتد بين جرابلس وإعزاز (نحو 100 كلم). وبدأ التوغل جنوبا وانتهى إلى السيطرة على مدينة الباب الاستراتيجية في 23 فبراير/شباط من العام الجاري.

وتشكل عمليا المناطق التي استعادها الجيش السوري الحر من تنظيم الدولة الإسلامية في إطار عملية درع الفرات معظم مساحة المنطقة الآمنة التي لطالما دعت إلى إقامتها تركيا، ورغم الاعتراض الأميركي الصريح فإن المنطقة قائمة بحكم الأمر الواقع.

وقصد بذلك منع قيام منطقة متصلة جغرافيا على طول الحدود الجنوبية مع تركيا، يسيطر عليها المقاتلون الأكراد تمهيدا لإعلان الانفصال عن سوريا وإقامة إقليم كردي يسيطر عليه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني (PKK). وهو ما تعده تركيا تهديدا مباشرا لأمنها القومي.

وهذا ما يبرر تسمية العملية العسكرية بدرع الفرات، أي أن يكون الأخير جدارا عاليا يفصل مناطق سيطرة الوحدات الكردية الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي شرق الفرات (في الحسكة وريف الرقة الشمالي وعين العرب-كوباني) وبين مناطق سيطرتهم في غرب الفرات بريف حلب الشمالي وتحديدا في منطقة عفرين.

 موقع مدينة منبج وحدود المنطقة الآمنة المقصودة باللون الأحمر (الجزيرة)
 موقع مدينة منبج وحدود المنطقة الآمنة المقصودة باللون الأحمر (الجزيرة)
 
غطاء وهمي
منذ اليوم الأول طالبت تركيا وبدعم أميركي خجول مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي بالانسحاب من مدينة منبج إلى مناطق سيطرتهم شرق الفرات، خشية أن تغدو مدينة منبج (الوقعة غرب الفرات) حجر عثرة أمام تحقيق الهدف الاستراتيجي الأهم لعملية درع الفرات، وفعلا أعلنت وحدات الحماية الكردية رسميا انسحابها إلى مناطق سيطرتها إلى شرق الفرات بعد يوم واحد من بدء عملية درع الفرات.
 
في هذا السياق برز اسم مجلس منبج العسكري باعتباره الطرف الجديد الذي يسيطر على المدينة، رغم أن المجلس يتلقى دعمه من الوحدات الكردية، ويشكل مقاتلو الوحدات الجزء الأكبر من مقاتلي مجلس منبج العسكري، لكن الوحدات الكردية تنفي رسميا تبعية المجلس لها، ليتحول بذلك المجلس إلى مجرد غطاء لتنفيذ القرار السياسي والعسكري المرتبط بحزب الاتحاد الديمقراطي، حاله حال قوات "سوريا الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية المكون الرئيسي والقيادي فيها.
 
وغدت مدينة منبج وريفها ساحة صراع كأرض سوريّة لمعركة تركية تركيّة أي بين الحكومة والجيش التركيين من جهة وحزب العمال الكردستاني التركي من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس يجري ترتيب التحالفات على الأرض.
 
حليف مزدوج
عندما أعلن الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا عزمه التوجه لمدينة الباب، سارع مجلس مدينة منبج إلى اعلان بيان وصفه معارضو النظام السوري بأنه بيان صادم، إذ قام مجلس مدينة منبج العسكري بتسليم قوات النظام التي كانت قد تقدمت سريعا إلى شرق الباب مناطق واسعة غرب مدينة منبج، تضم أكثر من 40 قرية تقدر مساحتها بنحو 800 كلم مربع، وجرت عملية التسليم بتنسيق مع الروس.

ونتج عن ذلك أن قوات النظام باتت تحرس نيابة عن المقاتلين الأكراد البوابة الغربية لمنبج, بالموازاة مع انتشار كبير لمدرعات أميركية على طول نهر الساجور أي البوابة الشمالية لمدينة منبج.

ووضع هذا التحول اللافت تركيا وحليفها الجيش السوري الحر أمام مواجهة حتمية مع قوات النظام ومن خلفها روسيا أو الولايات المتحدة، إذا ما قررا التقدم باتجاه مدينة منبج. ولا تنفي المواجهة كاحتمال قائم في الميدان حتمية المواجهة سياسيا وتأثيرها العميق على شكل التوازنات والتحالفات الجارية.

وأظهر رفع أعلام الولايات المتحدة الداعم الرئيسي للوحدات الكردية، وأعلام روسيا الداعم الرئيسي لقوات النظام، ملامح القوى العسكرية التي ستشارك في معارك استعادة الرقة، أي قوات النظام والوحدات الكردية كترجمة لتعاون روسي أميركي ممكن، ومما زاد تحقق هذه الإمكانية أن التقدم الأخير لقوات النظام قطع نهائيا الطريق على الجيش السوري الحر للتقدم باتجاه الرقة.

فشل درع الفرات
قوات النظام التي دخلت متأخرة على خط سباق السيطرة على مدينة الباب (بعد نحو نحو ستة أشهر من بداية المعارك) حققت تقدما سريعا باتجاه المدينة، وسيطرت على بلدة تادف المتاخمة لمدينة الباب، وتمددت بعد سيطرة الجيش السوري الحر على مدينة الباب باتجاه الشمال الشرقي، ووصلت إلى بلدة جب الخفي لتلتقي هناك مع الوحدات الكردية.

وبما سبق حصل هذا الاتصال البري الأول من نوعه، إذ يصل مناطق شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة الوحدات الكردية مرورا بمدينة منبج بمناطق سيطرة النظام في عموم البلاد، وهو ما يمهد لفتح ممر بديل جنوب مدينة الباب يصل به حزب الاتحاد الديمقراطي بين مناطقه شرق الفرات وغربه، ليقوض بذلك هدف عملية درع الفرات بالكامل.

‪المعبر البديل (بالأزرق) للوحدات الكردية لوصل مناطقها‬ (الجزيرة)
‪المعبر البديل (بالأزرق) للوحدات الكردية لوصل مناطقها‬ (الجزيرة)

إلى أين؟
إن الإصرار التركي على تحقيق هدف عملية درع الفرات التي نالت دعما خجولا من الولايات المتحدة بداية انطلاقها يقضي بالتقدم إلى مدينة منبج، وتجلى ذلك عبر تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو فور السيطرة على مدينة الباب، وهدد بشكل صريح قائلا إن بلاده "ستوجه ضربات لوحدات الحماية الكردية إذا لم تنسحب من منبج".

وتفيد التطورات الأخيرة أن التقدم التركي باتجاه منبج سيكون ثمنه صداما حتميا مع روسيا أو الولايات المتحدة أو الاثنين معا، وهو ما دفع فيما يبدو رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم للقول "الأرض السورية للسوريين، وأنقرة لا تمانع فرض الجيش السوري على مدينة منبج", لتغدو قوات النظام السوري البديل الأمثل طالما أنها تحقق لتركيا طرد وحدات الحماية الكردية من منبج، وهو احتمال مستبعد في ظل التنسيق العسكري القائم بين الوحدات الكردية وقوات النظام، وحرص الوحدات الكردية على وصل مناطقها بأي ثمن.

وتشير خريطة السيطرة الأخيرة إلى أن قوات النظام والوحدات الكردية قطعا الطريق تماما على الجيش السوري الحر للتمدد باتجاه ما بقي من ريف حلب الشرقي، وبالتالي إلى مدينة الرقة أبرز معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

وبما سبق تصبح حظوظ قوات النظام أكبر في مشاركة الوحدات الكردية معارك استعادة الرقة، وهنا يتجلى التوافق الأميركي الروسي في سوريا حول معركة الرقة باعتبارها مكسبا سياسيا وميدانيا هاما، ومجالا للتعاون بينهما، بينما يقاتل على الأرض حليفاهما قوات النظام ووحدات الحماية الكردية.

المصدر : الجزيرة