محاكمة المدونين بالجزائر بين القانون وتقييد الحريات

بالجزائر.. نشطاء الفيسبوك يسبقون الصحافة - تعليم
ناشطون وحقوقيون جزائريون يعتبرون أن التضييق على المدونين يجسد حالة من الخوف لدى النظام الحاكم (الجزيرة)

عبد الحميد بن محمد-الجزائر

اعتقلت السلطات الجزائرية الأمنية قبل أيام أحد المدونين الشباب بمحافظة بجاية، ووجهت له تهمة التخابر مع جهات أجنبية، وذلك بعدما كتب في حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن وجود مكتب تنسيق مع إسرائيل بالجزائر تم حله عام 2000، ونقل المعلومة عن مسؤول إسرائيلي تحدث معه عبر الموقع نفسه.

كما اعتقلت السلطات قبله طالبا جامعيا بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية. وقبلهما اعتقل الصحفي والمدون محمد تمالت وحكم عليه بسنتين سجنا نافذا قبل أن يشرع في إضراب عن الطعام ثم توافيه المنية في ديسمبر/كانون الأول 2016.

حقوقيون عدوا ما وصفوها بالحملة تضييقا على حرية التعبير، بينما قال وزير العدل الطيب لوح خلال جلسة عقدت بالبرلمان إن المدونين الذين يخضعون للمتابعة القضائية أشخاص "تعدوا على القانون"، مذكرا بوجود نصوص قانونية تجرم "القذف والسب والتحريض على أعمال العنف والاتصال بجمعيات أو شبكات محددة الصفة".

كما أكد الوزير أن "مصالح الأمن تقوم في إطار الضبطية القضائية بالاستماع إلى هؤلاء لتقدمهم بعد ذلك للقضاء في حال وجود أدلة تدينهم".

تطبيق للقانون
ويؤكد المدير الإقليمي للمنظمة الدولية لحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العامة عبد السلام عليلي أن "كل من تسول له نفسه زعزعة الأمن والاستقرار في الجزائر تتم متابعته"، مضيفا في حديث للجزيرة نت أن بعض المدونين استغلوا الوضع "وسولت لهم أنفسهم التهجم على الحياة الشخصية للعديد من المسؤولين تحت ذريعة الحرية والديمقراطية".

غير أن عليلي يدعو بالمقابل السلطات لالتزام الهدوء والتعقل "لأن مثل هذه الإجراءات باتت تشوّه سمعة الجزائر بشكل بالغ دوليا".

عليلي: بعض المدونين سولت لهم أنفسهم التهجم على الحياة الشخصية للعديد من المسؤولين بذريعة الحرية (الجزيرة)
عليلي: بعض المدونين سولت لهم أنفسهم التهجم على الحياة الشخصية للعديد من المسؤولين بذريعة الحرية (الجزيرة)

بالمقابل يقول الكاتب الصحفي وأستاذ السياسات الأمنية بجامعة البليدة محمد سليم حمادي إن اعتقال هؤلاء المدونين يعد تقييدا للحريات، "فالمدون يأخذ على عاتقه مسؤولية أخلاقية تتمثل في تسليط الضوء على قضايا هي في الأساس وكما خبرناها من صلب اهتمامات المجتمع".

غير أن حمادي لا يستبعد في حديثه للجزيرة نت أن يسقط بعض المدونين في تجاوزات "لكن المحاسبة على هذه التجاوزات يجب ألا تكون بحبس المدون مثله مثل المجرمين".

قمع وتقييد
ويشدد الحقوقي مصطفى بوشاشي على أن هذه المتابعات القضائية في حق المدونين "ليست تطبيقا للقانون وإنما هي وسيلة لتقييد الحريات والحقوق"، مضيفا أن النظام السياسي يتحدث نظريا عن الحقوق والحريات في الدستور لكن يقيدها في الواقع، حسب تعبيره.

ويرى أن السيطرة على وسائل الإعلام التقليدية خلال السنتين الأخيرتين دفعت الكثير من المدونين الشباب والحقوقيين والنشطاء إلى شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة لانتقاد طريقة تسيير الشأن العام، "فلجأ النظام إلى الملاحقة لترهيب هؤلاء المدونين والتضييق عليهم".

ويشدد بوشاشي على أن الملاحقات توزعت في مختلف مناطق الجزائر، "مما يعطي الانطباع بأنها سياسة عامة لتقييد الحريات باستعمال القضاء الذي أضحى يعد مؤسسة لخدمة النظام وليس لضمان الحقوق والحريات".

‪بوشاشي: الملاحقات سياسة عامة لتقييد الحريات‬ (الجزيرة نت)
‪بوشاشي: الملاحقات سياسة عامة لتقييد الحريات‬ (الجزيرة نت)

ويعتقد المدون والناشط السياسي رضوان منصوري أن لجوء النظام إلى تصنيف تغريدات ومنشورات إلكترونية على أنها تتضمن تهديدات ومساسا بأمن الدولة ورموزها، هو للتغطية على فشله في تسيير الشأن العام.

ويؤكد للجزيرة نت أن أغلب المنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي تدوينات تفضح تبديد المال العام وفساد المسؤولين بالأدلة والبراهين "كان من المفروض فتح تحقيقات قضائية بشأنها".

ويشير منصوري إلى أن الأجهزة الأمنية تركز في قمعها على من تعتقد فيهم قوة التأثير على الرأي العام، مثلما حدث مع الناشط عمر فرحات عندما تم اعتقاله باعتباره أحد مسيري صفحة " 1،2،3 فيفا لا لجيري"، موضحا أن السعي للتحكم في مواقع التواصل الاجتماعي بتحويل بعض المدونين عبرة لغيرهم يرجع "لخوف النظام من أن ينتقل التنديد الافتراضي إلى الشارع".

المصدر : الجزيرة