ما أبعاد الحملة ضد "العدل والإحسان" بالمغرب؟

من تظاهرة احتجاجية سابقة لجماعة العدل والإحسان
جانب من مظاهرة احتجاجية سابقة لجماعة العدل والإحسان (الجزيرة)

الحسن أبو يحيى-الرباط

أعفت الإدارة المغربية عشرات الأطر المنتمين لجماعة العدل والإحسان من مهامهم ومسؤولياتهم، في توجه يرى فيه البعض سعيا من جانب السلطات للحد من توغل الجماعة في قطاعات حيوية كالتعليم.

وفي الوقت الذي يقول محللون إن جماعة العدل والإحسان تحاول استعادة مكانتها من خلال اختلاق الصراع مع الدولة، يعتقد آخرون أن الأمر يتعلق بقطع الطريق أمام أي تقارب محتمل بين الجماعة وحزب العدالة والتنمية، بينما يذهب آخرون إلى أن هذه القرارات تعبر عن مخاوف من أن تقود هذه الجماعة حراكا شعبيا جديدا.

ونشرت جماعة العدل والإحسان على موقعها الرسمي معطيات تفيد بأن الدولة أعفت العشرات من المسؤولين التابعين للجماعة بمختلف الإدارات والوزارات من مهندسين ومديري مدارس ومفتشين.

وقالت إن ما يجري "حملة ممنهجة" ضد كوادرها، وإن المراسلات التي وصلت إلى المعنيين -يشتغل أغلبهم بقطاع التعليم والفلاحة- لا تتضمن أي تبرير أو تفسير لدواعي النقل أو الإعفاء.

‪يايموت: ما يجري تشديد على حركية المنتمين لجماعة العدل والإحسان‬ (الجزيرة)
‪يايموت: ما يجري تشديد على حركية المنتمين لجماعة العدل والإحسان‬ (الجزيرة)

سياسة أمنية
وحسب أستاذ العلوم السياسية خالد يايموت فإن ما يجري جزء من سياسة أمنية للدولة يأتي في سياق تشديد الرقابة على حركية المنتمين لجماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح داخل الإدارة العمومية المغربية، ومنعهم من حقهم الدستوري في تولي الوظائف المهمة في الجهاز البيرقراطي للدولة.

وقال يايموت للجزيرة نت إن هذه السياسة تستفيد من التجربة التونسية أيام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ومن التجربة المصرية التي دشنها الرئيس عبد الفتاح السيسي.

من جانبه، اتهم ممثل الرابطة العالمية للحقوق والحريات بالمغرب محمد حقيقي الجهات المسؤولة باستغلال النفوذ لتصفية حسابات سياسية عن طريق قرارات لا تلتزم بالإجراءات القانونية ويشوبها الكثير من التمييز.

أما المحلل السياسي يونس دافقير فذهب إلى أن جماعة العدل والإحسان تعتمد إستراتيجية التوغل والتوسع داخل بعض القطاعات الحيوية مثل قطاع التعليم كواجهة لتصريف مواقف الجماعة وتوسيع صفوفها التنظيمية، وهو ما يجعلها تخرج عن واجب التجرد والتحفظ الذي تفرضه ممارسة الوظيفة العمومية، وفق تعبيره.

وقال في حديث للجزيرة نت "أظن أن الجماعة تختلق مثل هذه الصراعات مع الدولة لاستعادة مكانتها الرمزية في ظل ما يجري من حديث عن تراجع حضورها في الساحة السياسية منذ وفاة مرشدها عبد السلام ياسين".

‪حقيقي: هذه التدابير تنم عن تخوف من تحول الجماعة إلى قوة ضاغطة‬ (الجزيرة)
‪حقيقي: هذه التدابير تنم عن تخوف من تحول الجماعة إلى قوة ضاغطة‬ (الجزيرة)

تقارب
يعود أستاذ العلوم السياسية يايموت ليؤكد أن صانع القرار السياسي بالمغرب يريد أن يوجه رسالة قوية للإسلاميين المغاربة، وخاصة حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، مفادها أنه قادر على حصار الذين لا يؤمنون منهم بالمشاركة من داخل المؤسسات الدستورية (العدل والإحسان) بطرق تخرق القانون، وفي الوقت نفسه يستعمل الجانب القانوني لحصار الإسلاميين المشاركين في المؤسسات عن طريق عرقلة تشكيل الحكومة وفقا لنتائج الانتخابات، حسب وصفه.

بينما يرى محمد حقيقي أن هذه التدابير ذات طبيعة أمنية تسعى إلى قطع الطريق أمام الجماعة مخافة تحولها إلى قوة ضاغطة قد تقود الحراك الشعبي في جولة ثانية، أو تشارك فيه بقوة في سياق انحسار سياسي تعيشه البلاد.

وفي السياق ذاته، قال عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية محمد الراجي إنه يتبين من خلال الاطلاع على نماذج من القرارات أنها غير دستورية، وتنتهك الإجراءات القانونية المعمول بها.

ولا يرى الراجي أن هذه القرارات بمثابة إجراءات انتقامية من الجماعة المعروفة بشدة معارضتها للدولة، وإنما جاءت في سياق تستبق فيه القوى المتحكمة في الخريطة السياسية أي تقارب مستقبلي بين جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية، خاصة وأن أصواتا داخل الجماعة تدعو إلى المشاركة في المؤسسات السياسية.

ورجح الراجي في تصريحه للجزيرة نت أن يكون الهدف من هذه الإجراءات هو استفزاز الجماعة للتراجع عن قرار انفتاحها على اﻷحزاب، وقطع الطريق عن التيار الذي يدعو إلى اﻻعتراف الكامل بالملكية والمؤسسات الدستورية.

‪حمادة: غياب المعلومة يحول دون الإمساك بأسباب هذه الإعفاءات‬ (الجزيرة)
‪حمادة: غياب المعلومة يحول دون الإمساك بأسباب هذه الإعفاءات‬ (الجزيرة)

بالمقابل، قال مدير مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث منتصر حمادة للجزيرة نت إن مواقف الطرفين مختلفة تماما بين الجماعة التي تؤمن بضرورة إقامة دولة الخلافة، وبين مواقف حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية المنخرطين في العمل السياسي.

غير أنه أكد أن غياب المعلومة يحول دون الإمساك بالأسباب الحقيقية لهذه القرارات وغيرها من القرارات المتّخذة في الآونة الأخيرة.

المصدر : الجزيرة