هل يقول الفلسطينيون "لا" للوساطة الأميركية؟

U.S. President Donald Trump meets with Palestinian President Mahmoud Abbas during the U.N. General Assembly in New York, U.S., September 20, 2017. REUTERS/Kevin Lamarque
محمود عباس قال إن اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل يعكس انسحاب أميركا من الوساطة في عملية السلام (رويترز)

ليلى لعلالي-الجزيرة نت

رغم أنها الدولة الأولى في العالم التي سارعت إلى الاعتراف "بدولة إسرائيل" عند قيامها في 14 مايو/أيار 1948، فإن الولايات المتحدة الأميركية ظلت مستفردة برعاية المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ أن قرر الطرفان الجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة، وطرحت إداراتها المتتالية مبادرات وخططا للتسوية انتهت إلى الفشل، بسبب انحياز رؤسائها لتل أبيب، وهو الانحياز الذي ترجمه دونالد ترمب باعترافه بالقدس عاصمة إسرائيل في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2017، ليضيف تاريخا آخر في روزنامة سجل الصراع العربي الإسرائيلي.

تحالف ووساطة
ترتبط الولايات المتحدة بتحالف تاريخي إستراتيجي مع إسرائيل، وبدأت تزويدها بالسلاح منذ أكتوبر/تشرين الأول 1967، وحرص الرؤساء الأميركيون المتعاقبون بمجرد وصولهم إلى البيت الأبيض على ترضية هذا الحليف، بدعم مواقفه في المحافل الدولية، عبر استخدام حق الفيتو (النقض) ضد القرارات الأممية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

وانخرطت الولايات المتحدة طرفا في الصراع العربي الإسرائيلي منذ السبعينيات، من خلال رعاية رئيسها في ذلك الوقت جيمي كارتر اتفاقية كامب ديفد التي وقعتها مصر مع إسرائيل عام 1979، وشملت اقتراحا بحل القضية الفلسطينية.

وبعد انتهاء حرب الخليج عام 1991، وفي عهد الرئيس جورج بوش الأب، فرضت واشنطن نفسها وسيطا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ورعت إلى جانب الاتحاد السوفياتي السابق مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول 1991، وما تلاه من اتصالات سرية وعلنية.

وتبلورت الوساطة الأميركية في الصراع بشكل أكثر وضوحا مع مجيء الرئيس بيل كلينتون (1993 ـ 2001) إلى السلطة، إذ لعبت دورا أساسيا في مفاوضات الجانبين، التي توجت بتوقيع اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر/أيلول 1993 في البيت الأبيض، وشهد العالم تلك المصافحة الشهيرة بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين.

ورغم أن واشنطن لم تحقق الاختراق الذي كان ينتظر منها بعد توقيع اتفاق أوسلو الذي عارضته شريحة كبيرة من الفلسطينيين، فإنها استمرت في لعب دور الوسيط في الصراع العربي الإسرائيلي، في عهد جورج بوش الابن ثم باراك أوباما، ثم دونالد ترمب، وكلهم طرحوا مبادرات للتسوية قبلها الفلسطينيون في معظمها وأجهضتها إسرائيل بسياستها الاستيطانية.

ووفق مراقبين لتاريخ الوساطة الأميركية، فإن الفلسطينيين الذين قبلوا الدخول في مفاوضات مع إسرائيل، وبأن تكون الولايات المتحدة راعية هذه المفاوضات، كانوا يتذمرون في صمت من الوساطة الأميركية بسبب انحيازها الدائم لإسرائيل، لكنهم لم يتجرؤوا يوما على أن يطالبوا بوقفها، ربما خشية مآلات ذلك على قضيتهم، وربما خشية من إغضاب الأميركيين الذي يملكون نفوذا قويا، لكن النتيجة كانت واحدة، وهي أن أميركا خذلتهم وخذلت معهم العالمين العربي والإسلامي.

غير أن التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح يدور حول إذا كان الجانب الفلسطيني (الرسمي) سيقبل من الآن فصاعدا أن تكون الولايات المتحدة وسيطا للسلام مع إسرائيل، بعد إعلان ترمب حول القدس؟

"ترمب يعترف"
تصريحات المسؤولين الفلسطينيين أجمعت على أن خطوة ترمب تمثل إعلانا صريحا عن حقيقة ومستقبل دور الوسيط الذي تلعبه أميركا، وهو ما أشار إليه الرئيس محمود عباس الذي قال في خطابه الذي أعقب خطاب الاعتراف "إن قرار ترمب يعكس انسحاب أميركا من الوساطة في عملية السلام"، واعتبر أن الإدارة الأميركية خالفت القرارات والقوانين الدولية ومواقف المؤسسات الدولية والدينية على مستوى العالم.

 وذهب في الاتجاه نفسه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، الذي حذر من أن الرئيس الأميركي "عزل بلاده عن أي دور ممكن في عملية السلام، وقد دمر خيار حل الدولتين". 

ولا يفهم من تصريحات عباس وعريقات أن هناك توجها فلسطينيا لطلب رفض الوساطة الأميركية في مفاوضاتهم مع إسرائيل، في ضوء القرار الخطير الذي اتخذه الرئيس الأميركي بشأن القدس، خاصة أن ترمب ما يزال يتحدث عن السلام؛ "الولايات المتحدة مصممة على المساهمة في تسهيل إبرام اتفاق سلام مقبول من الطرفين"، وأنه "سيبذل كل ما يستطيع للمساعدة على إبرام اتفاق من هذا النوع"، كما شدد في خطابه على أن بلاده تؤيد "حل الدولتين" في حال "اتفاق" الطرفين بهذا الشأن.

وبعيدا عن الموقف الفلسطيني، يرى مراقبون أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قد قضى كليا على مصداقية الولايات المتحدة، ولا يمكنها أن تكون طرفا في أي مفاوضات قادمة، وهي تساعد حليفتها إسرائيل في فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، وضرب القرارات الدولية بشأن القدس وغيرها من القضايا الفلسطينية المصيرية عرض الحائط.

كما أن الوساطة الأميركية لم تؤد إلى قيام الدولة الفلسطينية التي جاء في خارطة الطريق التي طرحتها اللجنة الرباعية أنها ستكون بحلول عام 2005، وفي المقابل تمكنت إسرائيل بسبب الدعم الأميركي لها من الاستمرار في مشروعها الاستيطاني غير الشرعي.

وبالنظر إلى أن بعض الجهات الدولية الفاعلة بينها ألمانيا والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فإنها أعلنت رفضها قرار الرئيس الأميركي بشأن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، فهل سيقول الفلسطينون "لا" للوساطة الأميركية؟ ومن ثم يفتحون الباب لأطراف أخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو غيره لكي يقوم بوساطة "نزيهة" بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ 

المصدر : الجزيرة